حلب بين الماء والدم


28 أيار 2014

 

تترنّح حلب من شدة العطش، وكأنّ كل الموت القادم إليها لم يكفِ، حتى بتنا نشعر أن الهدف البعيد هو التفنّن في تمويتها.

تتعرض المدينة لأزمة مياه حادة وخانقة، والأنكى أنه لا يُعرف المتسبب بها، أو الجهة التي تقف وراء انقطاع وصوله إلى البيوت والأحياء التي لا تزال على قيد الحياة في المدينة المقتولة أساساً.

من جهته يلقي النظام بالمسؤولية على الكتائب الإسلامية التي تسيطر على الخزانات الرئيسية للمياه، في حين يحمّل الأهالي المسؤولية للنظام، بوصفه جهة سياسية يفترض أنها مسؤولة عن مصالح السوريين وتأمين احتياجاتهم الضرورية، لا سيما وأن النظام يستمر في استغلال الأزمة إعلامياً لصالحه في ظل سيطرة "جبهة النصرة لبلاد الشام" و"الهيئة الشرعية" على المحطة الرئيسية لـ"مؤسسة مياه الشرب" في المحافظة، والموجودة في منطقة "سليمان الحلبي"، حيث تواردت أخبار عن منع المسيطرين على المحطة للعاملين فيها من تشغيلها لملء الخزانات الرئيسية في المدينة. كما تواردت أخبار أخرى عن إصرار بعض هذه المجموعات على ضخ المياه إلى مناطق بعينها دون غيرها، متجاهلين خطورة هذه المحاولات التي قد تؤدي إلى تخريب دائم في شبكة تزويد المياه في حلب بأسرها، مما يهدد بكارثة إنسانية طويلة الأمد.

جيفارا نبي عضو "تنسيقية التآخي الكردية" قال في حديث لـ"سيريا أنتولد syriauntold": "الاتهام موجه للإدارة الإسلامية للخدمات العامة وهي للنصرة طبعاً، السبب الحقيقي الذي لم يذكر هو أن النصرة والهيئة الشرعية كانتا تظنان إنهما تضغطان على النظام بقطع الماء، وبعد أن وجدوا أنه لا فائدة، بل وصل الأمر إلى الاتهامات عملوا على مبدأ عليّ وعلى أعدائي".

النداء الذي أطلقته منظمة "مدني" لم يفلح في حل المشكلة، إذ لم يلتزم النظام ولا قواته بالهدنة المفترضة، والتي فرضت على جميع الأطراف إيقاف القصف العشوائي في كامل المدينة، بالإضافة إلى تحييد المدنيين وأساسياتهم الحياتية من ماء وكهرباء، فلم تمض ساعات قليلة حتى تابعت قوات النظام القصف بنفس الوتيرة ونفس العشوائية. لكن الإيجابي أن النداء سلّط الضوء المباشر على مأساة إنسانية ملحة، وبحاجة إلى حل عاجل وسريع.

ازمة المياه في حلب.. المصدر: وكالة الأنباء الفرنسية
ازمة المياه في حلب.. المصدر: وكالة الأنباء الفرنسية

يتخوف الحلبيون من انتشار الأمراض الناجمة عن شرب مياه الآبار الراكدة، "الليشمانيا" على وجه الخصوص، فمع وصول نذور الصيف فإن عدم الاستجابة السريعة لحل هذه الأزمة، سيؤدي إلى كارثة طبية حادة في مدينة لا يتواجد فيها إلا عشرات معدودة من الأطباء، خصوصاً بعد هجرة  معظمهم إلى دول الجوار، إضافة إلى عدم توافر بنية طبية مؤهلة للتعامل مع هذه الكارثة.

وجد الحلبيون أنفسهم بين فكي كمّاشة، إذ يتضح من الاتفاق الأخير الذي تم بين النظام والجبهة الإسلامية، أن النظام اكتفى بفرض إدخال كمية من المساعدات إلى قريتين في ريف حلب، متجاهلاً أزمة المدينة ككل، نائياً بنفسه عن العمل على بند الاتفاق الذي يطالب بإنهاء الأزمة الحياتية المستمرة، مع العلم أن جبهة النصرة والقوى الإسلامية الأخرى تقوم، هي الأخرى، بضمان إيصال المياه إلى القرى والأحياء التي تدين لها بالولاء.

بعيداً عن التجاذبات السياسية للمسألة، ومن هو صاحب المسؤولية المباشرة، إذ هناك كارثة على الأرض تهدد زهاء مليونين ونصف مليون سوري، أخذوا يلجئون إلى مياه الآبار الموجودة في المساجد والأديرة والبيوت على رغم من تلوثها، وتحت ظروف تتزايد فيها وتيرة القصف من قبل قوات النظام.. بعيداً عن ذلك دفعت الحاجة والعطش سكان المدينة والنشطاء إلى المبادرة لإيجاد حلول، فراحوا يطلقون مقترحات ومشاريع اجتماعية تهدف إلى تأمين المياه، ونقلها إلى البيوت والأحياء القريبة التي تعاني من انقطاعها منذ أسبوعين، وقد لاقت تلك المبادرات ردود فعل إيجابية واستجابات حقيقية.

انطلقت عدة مبادرات أهلية للمساهمة بحل أزمة المياه بحلب، منها مشروع "حياة" الذي اقترحه المحامي علاء السيد، ويرمي إلى تأمين وتجهيز سيارات خاصة "سوزكي" من تلك التي تعمل في قطاع النقل الخاص، من أجل المساهمة في نقل المياه، حيث تم تزويد تلك السيارات بالتجهيزات اللازمة (خزان وسنتر فيش وخرطوم ومولدة للدفاش) لضخ وإيصال المياه من الآبار إلى البيوت، بما يضمن إيصالها إلى العطاش بسعر التكلفة. تجهيز السيارة يكلف حوالي مائة ألف ليرة سورية، والمطلوب أن يقدم المساهم المواد عيناً على وجه الحصر، ولا تقبل المساهمات النقدية. كما تبقى هذه المواد بملكية من قدمها ولا تؤول للمشروع.

يأمل مشروع "حياة" أن يوزع 1000 ليتر من الماء، بسعر أقل من 1000 ل. س وصولا إلى سعر 500 ل س بعد ضغط النفقات.

عمل فني بعنوان حصار حنيفية مي لأحمد العربي. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان
عمل فني بعنوان حصار حنيفية مي لأحمد العربي. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان

صفحة "دوبارة" قدمت مناشدة وحلول عملية، تقوم على نقل بـ"البيدونات" من الأماكن التي تحتوي على آبار ونقلها إلى الحارات التي لا يصلها الماء، و تعطي هالعالم، وقد وضعت الصفحة قائمة بالجوامع والكنائس التي تحتوي على الآبار، وقد استجاب الناس لهذا الحل الإسعافي، بل راحو يقدمون الاقتراحات التي تفيد في تنقية المياه وجعلها صالحة للشرب، من خلال غليها، ومن ثم انتظارها لتبرد وتصفيتها بشاش أو قماش.

كما استجاب الكثير من أهالي حلب ممن لديهم بيوتاً قديمة فيها آبار مياه، حيث فتحوا بيوتهم كسبيل كي يملأ منه الناس.

رافق ذلك أعمال فنية حاولت أن تقارب الحدث من منظور سوري، فجاء عمل فني لأحمد العربي بعنوان "حصار حنفية مي" ليعبّر عن حال المدينة من خلال تحويل تدفق الدم من الصنبور بدلاً من الماء. كما جاء عمل آخر للفنان وجدي صالح بعنوان "قنبلة مائية" ليقول لنا إن الماء تحوّل إلى أداة قتل تضاف إلى أدوات القتل التقليدية.

 

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد