الأسد يحمي ناشطين يوزعون مناشير ضده!


31 أيار 2014

 

تبدو للوهلة الأولى صورا كغيرها من صور الدكتاتور التي ملأت الشوارع والساحات منذ إعلان النظام عن الانتخابات الرئاسية في الثالث من الشهر الجاري، إلا أنها ليست كذلك!

إنها بروشورات ومناشير تحمل صور الأسد، وجدها المواطنون السوريون في الساحات والشوارع وأمام أبواب ونوافذ منازلهم و محلاتهم وسياراتهم أسطح منازلهم، ليفاجؤوا ما إن يفتحوها بأنها مناشير معارضة تخبرهم بإسهاب عن "إنجازات" المرشح الرئاسي "بشار الأسد" في التدمير والقتل والاعتقال والخطف..

 إذن إنها مناشير معارضة وتحمل صورة الأسد! تسللت إلى عمق مربع النظام الأمني وباحاته ومركز قوته الذي ظنه النظام نظيفا من الناشطين، إذ عمل على مدى ثلاث سنوات ونيف على تنظيف دمشق ومدن الساحل المؤيدة من أي ناشط، فإذا بهم يطلعون له من قلب الصمت، وفي عز "عرسه الانتخابي" ليقولوا له "مهما كانت قبضتك الأمنية قوية فإن الثورة مستمرة" كما صرحوا لـ"سيريا أنتولد Syria untold"، فما هي الحكاية؟ ومن هؤلاء؟ وكيف فعلوا ذلك رغم أن دمشق مملوءة بالحواجز التي لا يبعد أحدها عن الآخر أكثر من أمتار أحيانا وكيلومتر أحيانا أخرى؟

خلال ثلاث سنوات ونيف، عمل النظام على تحصين العاصمة دمشق عبر مستويين الأول عسكري بمواجهة الكتائب المسلحة، والثاني أمني بمواجهة الناشطين الذين تمكن من عزلهم ودفعهم للهرب أو الاختباء جراء حملات القمع المتتالية التي أوصلت عدد كبير منهم للسجون والتصفية في المعتقلات، حتى بدا لوهلة أن النظام بات مطمئنا إلى قوة تحصيناته في هذا المجال، فجاءت هذه المناشير لتؤكد له أن الشعب الذي "لم يستطع أن يتظاهر ويقوم باعتصامات بعدد كبير بسبب القصف بالبراميل والمدفعية المستمرة استطاع أن يقول لا للانتخابات في الداخل والخارج" في رسالة تحدي مجنونة أرسلها هؤلاء الناشطون للنظام، خاصة أن المناشير هذه طالت مدينة دمشق التي تعتبر العمق الأمني للنظام ومدينة جبلة على الساحل السوري التي تعتبر خزان النظام البشري وقلعته الخلفية.

الأمر بدأ مع إحساس الناشطين بأن هذه "الانتخابات التي تقام على أشلاء السوريين"لا يجوز أن تمر بسلام وصمت، دون تسجيل أي بادرة احتجاج ضده من جهة، ومن جهة ثانية فإن الجميع مدرك لخطورة الأمر وسط هذا الحصار الأمني الخانق، إلى أن جاءت الفكرة المجنونة من صور الأسد المنتشرة في كل مكان في العاصمة السورية، حيث استغل الناشطون هذا الأمر غطاءا لنشاطهم وتحركاتهم، حيث باتت صور الأسد تحميهم وهم يوزعون مناشير ضده، ولكن كيف؟

لوحة لسوريا على شكل صندوق انتخابي ويرشح منها الدم. المصدر: الصفحة الرسمية للحملة على الفيسبوك
لوحة لسوريا على شكل صندوق انتخابي ويرشح منها الدم. المصدر: الصفحة الرسمية للحملة على الفيسبوك

أقدم الناشطون على تصميم مناشير تحمل من الخارج صورا للأسد وفي الداخل عبارات ضده، بحيث يبدو لمن يراهم وهم يوزعون المناشير بأنهم مجرد "جنود" وعاملون في حملة الأسد الانتخابية، فيوزعون المناشير في منطقة معينة، وريثما يكون الأمن انتبه إلى فحوى المناشير يكون الناشطون قد هربوا أو أصبحوا في منطقة أخرى، حيث أقدم الناشطون على توزيع ثلاثة آلاف منشور في مدينة دمشق وأحيائها، وعدد آخر في مدينة جبلة الساحلية.

المناشير من الداخل تحمل معلومات موثقة حول إنجازات/ جرائم الأسد بدءا من عدد المعتقلين والمخطوفين و الشهداء والأطفال، مثل "بلغ عدد الأطفال الذين استشهدوا على يد قوات النظام منذ اندلاع الثورة و حتى تاريخ 30/4/2014 (11201 شهيد) ممن وُثِّقت أسماهم"، وليس انتهاءا بعدد البيوت المدارس والمنشآت المدمرة، مرورا بوضع الاقتصاد والكهرباء والمياه، لتكون الحملة نوعا من توعية للمواطنين السوريين بأن هذه الانتخابات معمّدة بدم السوريين، وعليه فإن كل ورقة توضع في صناديق الانتخاب هي بمثابة مشاركة في الجريمة، ولهذا حملت الحملة التي جاءت هذه المناشير في سياقها اسم "انتخابات الدم"، لأنه "الاسم الوحيد الذي يعبّر عن هذه المهزلة التي تقام في سوريا" وفق ما يقول أحد نشطاء الحملة لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".

منشور على سطح أحد المنازل. المصدر: الصفحة الرسمية للحملة على الفيسبوك
منشور على سطح أحد المنازل. المصدر: الصفحة الرسمية للحملة على الفيسبوك

الحملة التي بدأت قبل شهر من الآن، جاءت بعد عدة اتصالات واجتماعات بين نشطاء الداخل والخارج، بهدف الرد على هذه الانتخابات من جهة، و إيصال صوت السوريين للعالم الخارجي والمجتمع الدولي والعربي، بأن "النظام مجرم ومن المستحيل أن تقام أي انتخابات ديمقراطية في سوريا دون محاكمة الأسد، وإسقاط هذا النظام"، حيث تم توحيد العمل على الهاشتاغ #انتخابات_الدم #BloodElections، الذي ضم كل نشاطاتهم وصورهم وبروشوراتهم وبوستراتهم وتظاهراتهم عبر العالم، حيث "استطعنا أن نحقق أكبر عدد من التغريد عبر التويتر وقد حققنا أكثر من 40 ألف لايك على صفحة الفيس بوك"، إضافة إلى قيام الحملة بإطلاق العديد من البرومويات والصور والرسوم الكريكاتورية، بغية تحقيق أكبر انتشار ممكن، حيث صممت الحملة الكثير من البوسترات الملفتة والساخرة والتي تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كتلك الصورة التي تظهر حنظلة السوري وأمه يبحر وسط دماء السوريين حيث ارتفعت لافتات مثل شهيد، معتقل، مشرد..

تمكنت الحملة من الربط بين الداخل والخارج حيث شارك مواطنون بلافتات أو صور لهم ضمن الحملة، بدءا من دوما المحاصرة وليس انتهاءا بروما وباريس ولندن، كتلك اللافتة التي حملتها طفلة من دوما المحاصرة، وقد كتب عليها: هل مازال بشار الأسد رئيسا حتى يعاد انتخابه؟"، عدا عن مشاركة الشخصيات  المشهورة من إعلاميين وصحفيين وفنانين وسياسيين متضامنين مع الثورة، سواء كانوا سوريين أو غير ذلك، في حين أقدم عدد كبير من السياسيين والفنانين السوريين على وضع بوستر الحملة صورة رئيسية على صفحاتهم عبر الفيسبوك، مثل هيثم المالح ورئيس الحكومة المؤقتة السابق "غسان هيتو"، إضافة إلى قيام الناشطين بوضع صناديق ملوثة بالدم في عدة أماكن.

 

"انتخابات الدم": إصرار سوري على مقارعة المستحيل، وتأكيد على أن النضال السلمي المدني لم يمت رغم كل العسكرة، فهاهو يخرج من قلب أكثر المناطق الممسوكة أمنيا ليصرخ: لا لانتخابات الدم، إننا صامدون.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد