"باص الكرامة" بين قصف النظام وغزو داعش


17 نيسان 2014

 

لم تتوقع الناشطة رزان غزاوي والناشط رائد الفارس ورفاقهم (الإعلاميان حمود جنيد وخالد العيسى و الناشطان فراس العمر و حسن الأحمد) العاملين في مشروع "باص الكرامة"، أن يأتيهم الغدر من غير نظام الاستبداد الذي قارعوه في أوج قوته ليتعرضوا للاعتقال والملاحقة والهرب من بطشه، إلى أن تقاطعت مساراتهم في "باص الكرامة" بعد أن غادرت قوات النظام المنطقة، ولاعبت الحرية وجوههم المشتاقة لها، فبدؤوا عملية البناء عبر الاهتمام بالأطفال النازحين في ورشة عمل إبداعية كبرى تعمل على "تحفيز مخيلة الأطفال وحثهم على التعبير والتكيّف مع المرحلة الراهنة عبر أنشطة هادفة وجلسات حوار مصغرة وورشات أشغال يدوية" كما يقولون في حوار أجراه معهم موقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".

إلا أنهم اكتشفوا أن حريتهم لازالت ناقصة و أن الواقع أقسى من أحلامهم، ففي الوقت الذي كانوا يخشون فيه غدر النظام وطائراته تعرض "باص الكرامة" لاعتداء مسلح من قبل داعش، لنكون أمام أوّل حالة استهداف لنشاط يهتم بالأطفال فقط، لنكون أمام حكاية تعكس حالة الصراع ومستوياته المعقدة في سوريا، وتعكس تراجيدية الحالة السورية وخيبات أمل الناشطين الذين يكافحون نحو الحرية، فيواجهون اليأس والهزيمة وانسداد الأفق، إلا أنهم ينهضون مجددا بعد كل خيبة، يلمون قواهم ويبدؤون من جديد، فليس لليأس مكان وإن حاصرهم من كل الجهات، فما هي حكايتهم؟ ومن أين يستمدون تلك القوة على مواجهة المستحيل؟

https://www.youtube.com/watch?v=Qao7jKU-o74

بعد رحيل قوات النظام عن بعض مناطق وأرياف مدينة إدلب في الشمال السوري باتجاه مركز المدينة وجد الناشطون أنفسهم وجها لوجه أمام مشكلة الأطفال النازحين والمقيمين في كفر نبل، فطرحت فكرة تأسيس مركز أو مشروع تعليمي للأطفال، ليبدأ المشروع عمله بشكل تطوّعي لمدة أكثر من ستة أشهر، حيث تمكن من الحصول على تمويل لستة أشهر من منظمة "سوريات"، ثم قدمت مساعدة مادية لمدة 3 أشهر أخرى، ليتم بعدها التعاون مع منظمة "طفل الحرب" لدعم المشروع لثلاثة أشهر، حيث تم خلال هذه المراحل تأسيس المشروع وبدء عمله بتقديم ألعاب تنشيطية للأطفال، وورشات تعبيرية تشمل: رسم, تصوير, لعب، خلق لوحات من العشب والأوراق والأغصان باستخدام الصمغ، وورشات قراءة وكتابة وصناعة دمى للأطفال ودمى مسرحية، وورشة رواية قصص من تجربة شخصية، إضافة إلى عرض رسوم متحركة هادفة وأفلام قصيرة توعوية، مع التفكير مستقبلا بتقديم عروض مسرح تفاعلي ومسرح دمى.

إلا أن ورشة عمل السينما التفاعلية التي يقدمها الباص قد تكون الأكثر قدرة على التأثير في الأطفال، خاصة أنها تستهدف "عرض فيلم قصير عن قرية نزح منها نازحي المدرسة نفسها وتشجيع الأطفال والأهالي للتحدث عن الصور والمنازل والشوارع ومشاركة تجاربهم الشخصية" في ورشة تجمع بين الإبداع والجمهور انطلاقا من ذاكرة موحدة تحفزه على نكأ جروحه بطريقة إبداعية جميلة.

يهدف المشروع من نشاطاته السابقة إلى "تحويل المدرسة من مكان مرحلي (مكان النزوح), إلى مكان إنتاجي: من نقاش في المرحلة ومشاكلها, ومن تفريغ لصور العنف التي خبرها السوريين والتعبير عنها بأدوات فنية وعبر الكتابة, وصولا إلى جعله مكان ينتج فيه الأهالي والأطفال نشاطات تعبيرية مرئية كانت أم فنية أم مسرحية"، وذلك سعيا لتخيّل "واقع آخر غير واقع الحرب" ولـ "تحويل الخطاب الخاص إلى عام، عبر نقل شكاوي الناس من غرف الجلوس إلى خطاب عام تُناقش من قبل الأهالي في عروض المسرح والسينما التفاعلي".

في الوقت الذي كان فيه أعضاء الفريق يفكرون بخلق ( وهذا أحد أهدافهم)  نقاط مشابهة لعملهم في كافة محافظة إدلب المحررة من خلال تدريب الفريق الحالي لمتطوعين مرشحين في نقاط أخرى في قرى مجاورة، و إنشاء فريق مسرح تفاعلي احترافي في كفرنبل يقوم بعرض مسرحيات في القرية وفي قرى مجاورة، جاءتهم طعنة الغدر من "داعش"، حيث " تم في 28/12/2013 خلع الأبواب في الساعة 11 ليلا، ونهبت جميع محتويات المركز من عدة النشاطات و فرش و أدوات الكترونية. و تم ملاحقة فريق الباص لمدة 3 أسابيع و التهديد بالقتل وتفجير السيارة التابعة للمشروع"، الأمر الذي أدى لتوقف عمل الباص لمدة شهر قبل طرد داعش من المنطقة.

صورة لطفلة من اطفال باص الكرامة يتم الرسم على وجهها اثناء إحتفالية الذكرى السنوية للثورة .... المصدر صفحة باص الكرامة على الفيس بوك
صورة لطفلة من اطفال باص الكرامة يتم الرسم على وجهها اثناء إحتفالية الذكرى السنوية للثورة .... المصدر صفحة باص الكرامة على الفيس بوك

الملفت أن القائمين على المشروع كلهم تعرضوا لقمع أو ملاحقة النظام بطريقة أو بأخرى، وكلهم ناشطون في حقول العمل المدني السلمي منذ بدء الانتفاضة السورية، سواء في مجال التظاهر المباشر أو الرسم على الجدران أو المقاومة الإبداعية، إذ كانوا من أوائل المنضمين للحراك والفاعلين به، مما يعني أنهم أبناء الثورة/ الانتفاضة وهاهم يقعون اليوم بين فكي كماشة النظام الذي يبقى خطره قائما "بالقصف بالمدفعية و الطيران حيث يضطر الفريق للتوقف أحيانا عن النشاطات ليوم أو أكثر مع اشتداد المعارك في المناطق المجاورة"، و داعش التي هددتهم وحرقت مقرهم، لنكون أمام ثورة/ انتفاضة واقعة بين براثن الإرهاب والاستبداد في مآل صعب، وهو ما جعل الناشطة "غزاوي" تعلن لموقعنا سيريا أنتولد Syria untold" غضبها من وسائل الإعلام التي لم تسلط الضوء على حادثة استهداف "باص الكرامة"، رغم كل الخطر والدلالات التي يحملها، إذ لم يسبق أن تعرّض عمل خاص بالأطفال لهكذا اعتداء.

رغم الصدمة التي تبدو واضحة في كلام رزان، إلا أن هذا لم يدفعهم لليأس، إذ لملموا جراحهم واستجمعوا قواهم من جديد عبر البدء "بزيارة مدارس النازحين فقط و التخلي عن نشاطات المركز لفقدانه ريثما يتم الآن تجهيز مركز جديد"، حيث يزور ناشطو "الباص" اليوم أربع مدارس، اثنتان منها في كفرنبل واثنتان في البلدات المجاورة، ليقدموا بعض الأنشطة الحركية كالألعاب الرياضية و الألعاب التنافسية و العروض المرئية في فترة المساء، إضافة إلى التعاقد مع مدرسين في ثلاثة مدارس للنازحين لتدريس الأطفال داخل المدرسة التي يسكنوها بمنهاج مبسط جدا"، لنكون أمام قيامة جديدة للباص تتحدى إرهاب داعش وطائرات النظام المحلّقة في الأجواء.

 إنه التحدي وقد أعلنه سيزيف السوري مصرا على دحرجة الصخرة إلى أعلى جبل الحرية وإن سقطت مرارا.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد