اسماعيل متأرجحا بين حلمي المستقبل و الحرية


20 نيسان 2014

19 نيسان (أبريل) 2014

"شاءت الأقدار أن أكون موهوباً في مجال دراستي، فلعل الموهبة قد تكون نقمة في سوريا " هذا ما ابتدأ به "اسماعيل الشمالي" حديثه لنا. هذا الشاب الموهوب الذي أمضى سنين مراهقته يعبث بدراجة أبيه النارية، ويحاول التعديل عليها، ليكون ولعه بالعلم عامة، والميكانيك خاصة جلياً لكل من حوله، بغرفته التي ترشح جدرانها الفقيرة بالأمل، تلك المختبئة خلف خرائط أطلس وصور لكتاب ورائيين سوريين كمحمد الماغوط ابن مدينته سلمية.

 

المعاناة قبل الثورة

كان الظرف المادي لاسماعيل قد منعه من متابعة دراسته كما يجب، وأجبره على العمل كفلاح حيناً وبورشة حديد أحياناً أخرى، كل هذا إلى جانب دراسته. إلا أن إصراره مكنه من النجاح في البكالوريا بعلامات متوسطة ، الأمر الذي حال دون حلمه في الدخول إلى كلية الهندسة الميكانيكية، فغامر ليلتحق بمعهد الكهرباء والميكانيك، منطلقاً إلى جامعة حلب حيث بدأ مشواره الحقيقي، وبعد سنتين متواصلتين من السعي نحو الحلم، استطاع اسماعيل بأن يلفت نظر دكتوره المشرف على مشروع تخرجه حيث قال له " هذا المشروع مميز وجديد ولا أعتقد أن أحدا سبقك لهذه الفكرة"، وبعد عدة أيام أكد له دكتوره المشرف بأن ما أطلق عليه اسماعيل " البياكولس المنصف " يعتبر بمثابة اختراع ونصحه بالتوجه إلى مديرية الحماية الفكرية في دمشق ليحصل على براءة اختراع فيه.

أعد اسماعيل كل الأوراق المطلوبة وتوّجه إلى دمشق، حاملاً أمله في ما يصبو إليه، ليواجه عفن البيروقراطية في المؤسسات الحكومية حيث دامت معاملته لأكثر من عام، مجيئاً وذهاباً إلى مقر المديرية، لتقابله ردود من نوع " عليك التحلي بالصبر" و"المسألة قيد الدراسة والتدقيق"، وكان كل ما في الأمر بأن الموظف الحكومي يبتز اسماعيل من أجل رشوته وأن قرار اللجنة التحكيمية قد صدر لصالحه بدرجة ممتاز كما أعلموه هاتفياً، الأمر الذي كان يخفيه عنه الموظف، لكنه استطاع في نهاية المطاف الحصول على براءة الاختراع بعدما رافقه أحد الصحفيين المهمين في المدينة.

كان اسماعيل على يقين بأن تعبه لن يذهب سدى وأن وثيقة براءة الاختراع ستكون مفتاحاً للدخول إلى الكلية التي كثيراً ما كان يحلم بها، فيقول لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold": " كان همي وحلمي الأول والأخير من المشروع حصولي على استثناء يمكنني متابعة دراستي في كلية الهندسة الميكانيكية في إحدى جامعات القطر "، ومن هنا بدأ مشوار العذاب، حيث توّجه اسماعيل مباشرة إلى وزير التعليم العالي ( د. غياث بركات).  وبعد أكثر من خمسة أشهر على انتظار موعد المقابلة، شرح اسماعيل للوزير عن اختراعه وعن حقه في الحصول على مقعد دراسي في كلية الهندسة الميكانيكية، فجاوبه بأنه سيتابع الأمر مع المعنيين، ليتبين للشاب لاحقاً بأنها وعود مزيفة لم ينتج عنها شيء، ولكنه لم ييأس وتوجه من بعدها لمقابلة المدير العالم للمعاهد في سوريا ( د. رياض طيفور ). المقابلة التي لن ينساها اسماعيل. ما إن انتهى من كلامه وهو ينتظر أدنى اهتمام من "طيفور"، أتاه الرد " مين قال لك تخترع ؟ شو ما عنا شي غيرك ؟ " الكلام الذي حفر عميقاً في نفس اسماعيل، وسرب إلى قلبه الضجر واليأس، لينهي محاولاته مع الدولة بعد مقابلة عدة مسؤولين آخرين أوصلوه إلى نفس النتيجة " لا مكان لك في هذا البلد".

في خضم الثورة:

مع بداية الثورة السورية، كان لاسماعيل موقفه الطبيعي بأن ينحاز للناس التي تشبهه، للمظلومين والمهمشين في عصر نظام الاستبداد، فكان من أوائل المشاركين في المظاهرات التي انطلقت في مدينة سلمية، والتي كان الطابع الجامعي والمدني يغلب عليها، لكنها وبالرغم من ذلك قوبلت بالقمع العنيف وبحملة اعتقالات عشوائية طالت الكثير من شباب المدينة.

كان لاسماعيل دوراً فعالاً في الحراك الجامعي بمدينة حلب، حيث قام هو و عدد من زملائه بالإعداد لتنسيقية صغيرة ساهم من خلالها بالتظاهر وتوزيع المناشير في أنحاء المدينة الجامعية، حيث يروي لنا عن جمالية تلك المرحلة التي كانت بالنسبة له من أجمل مراحل الثورة، لأنها مثلت الوعي الثوري في عقل الطالب الجامعي الذي حلم بالتغيير نحو الديمقراطية.

مع إخماد الحراك الثوري " الأول" في المدينة الجامعية بحلب، لم يستكين اسماعيل فعاد  لمدينته سلمية، ليندمج من جديد مع مجموعات الحراك السلمي في مظاهراتهم ونشاطاتهم الثقافية، وعبر كل شيء ممكن في حينها، وخاصة عندما قام أهل سلمية بتقديم العون للنازحين من مدينة حماة إبان اقتحامها، فكان اسماعيل من أوائل الشباب التي تطوعت لتلبية هذه الحاجات.
https://www.youtube.com/watch?v=qn74ykNjL0M

 في الحادي عشر من أيار 2012، ألقي القبض على اسماعيل وأصدقائه الستة بعد مظاهرة صغيرة في المدينة، تمت من بعدها مصادرة جميع أملاكهم ( الدراجة النارية، الهاتف المحمول ..) ورميه هو وأصدقائه في الزنزانة بعدما اعتدوا عليهم جسديا ونفسياً، ليقضي اسماعيل خمسة وثلاثون ليلة وهو يشاهد ضياع حلمه ونهايته التعيسة، ليخرج فيما بعد ويواجه الملاحقة والمراقبة، حيث تم اقتحام منزله مرتين، دون أن يكون موجودا، مما دفعه للجوء إلى لبنان، في اليوم الثاني من عيد الأضحى في 27 تشرين الثاني 2012، ليبدأ البحث عن عمل يكفيه قوت يومه، ويناسب كفاءته ودراسته في الميكانيك إلا أن كل الأجوبة اختصرت بعبارة " نحن بحاجة لقوة عضلية فقط"، مما ذكره بعمله قبل حصوله على شهادة البكالوريا ( أعمال الحدادة ومناشر الخشب)، حيث استقر في محافظة جبل لبنان (كسروان)، فاقداً حلمه الوحيد بأن يصبح مهندساً، ومشرّعاً نوافذه لرياح القهر والعنصرية التي يتعرض لها هو وباقي السوريين، إذ" غالبا ما عانيت وعانى أغلب السوريين من حالات النصب المتكررة بغياب السلطة اللبنانية وانعدام الأخلاق عند البعض فلا سفارة تستطيع التشكي اليها ولا جمعية تكفل حقوق العمال السوريين".

يسير اليوم اسماعيل في شوارع "كسروان " ليشاهد أبناء بلده منتشرين على أرصفة الطريق بالعشرات، لاحول لهم ولا قوة جراء أسعار الإجارات الباهظة التي استغلت حاجة هؤلاء للسكن، ليكمل طريقه نحو غرفته الصغيرة البائسة حامداً نعمة السكن والطعام.

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد