"الشارع" في مساحة ضيقة بين داعش والنظام


25 آذار 2014

"عدنا مجدداً كأبناء مناطق محتلة لكن هذه المرة من داعش، بعد تحرير الجزء الأكبر من شمال سورية، كانت حركتنا سهلة داخل قرى الشمال ومدنه، اليوم ضاق المكان واضطر بعض العاملين والمتعاونين معنا للخروج إلى تركيا وآخرون نزحوا لمناطق خارج سيطرة داعش".

هذا ما يقوله بمرارة، مدير احتفالية الشارع للإعلام والتنمية الصحفي "عامر مطر"، مجيبا على أسئلتنا بسرعة، وهو يتنقل من مدينة إلى أخرى في الحيز الضيق المتبقي للنشاط السلمي المدني في الشمال السوري، للاحتفال بالذكرى الثالثة للثورة/ الانتفاضة السورية، والتي حلت وسط "خيبات كثيرة وتغيير في تفاصيل واقع الثورة" حيث "الناس متعبة داخل سوريا من حرب كارثية من هذا النوع"، عاكسا بذلك الفخ الذي تقف فيه ثورة السوريين اليوم بين استبدادين/ عدوين: داعش والنظام، إذ "نواجه هذا العام دكتاتور جديد، يحاول قمع المجتمع بأدوات جديدة ومختلفة عن أدوات الدكتاتور الأول"، كما يقول لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".

رغم هذا الواقع الصعب، فإن "الشارع" يرفض الاستسلام، لأنه وإن كان "خروج أعداء جدد للحرية في سوريا أمر محزن"، فإنه يبقى  "متوقع لأن التاريخ وخصوصاً تجارب بلدان الربيع العربي تثبت أن الحرية تحتاج لجهد جبار ومتواصل، .. الوصول لبلد عادل ويحترم الحريات، سيحتاج بالتأكيد لسنوات طويلة من العمل".

ولهذا صبّ "الشارع" جهده باتجاه الحرية وإن تأخرت، مقررا اللحاق بها عبر إحياء الذكرى السنوية الثالثة للثورة/ الانتفاصة التي أحياها مطر ورفاقه وسط غياب أصدقائه وأخيه المعتقل لدى داعش، إذ "يؤلمني غياب محمد نور مطر في هذا العام، وهو كان فاعلاً في احتفالية العام الماضي، كما يحزنني غياب بعض الأصدقاء الذين سرقهم النظام"، وذلك بمشاركة "اتحاد المكاتب الثورية" و "مجموعة عيش" التي تتكون من نشطاء داخل كفرنبل، حيث يتشارك الشارع مع "مؤسسات محلية لتساعدنا في المنطقة التي نعمل فيها .. فتوفر لنا مجموعات العمل وأماكن الإقامة والتحرك، وبشكل أساسي نتشارك الأفكار والأعمال".

شعار على أحد جدران كفر نبل ضمن احتفالية الشارع بالذكرى الثالثة للثورة. المصدر: الشارع للإعلام والتنمية
شعار على أحد جدران كفر نبل ضمن احتفالية الشارع بالذكرى الثالثة للثورة. المصدر: الشارع للإعلام والتنمية

نظم الفريق احتفالية هذا العام في مساحة ضيقة جدا قياسا بالعام الماضي " فالأماكن التي عملت فيها احتفالية السنة الماضية تسيطر داعش عليها اليوم، مثل منبج و الباب في ريف حلب، وتل أبيض والرقة أيضاً، ما يجعل العمل فيها مستحيلاً، حيث صبغت "داعش" بعض الجدران التي رسمنا عليها باللون الأسود، وحوّلت أحد الأبنية المدمّرة في منبج بعد تلوينها، من لوحة، إلى مكبّ للنفايات" كما يقول المصوّر "عبد حكواتي" أحد المشاركين في الاحتفالية، وهو ما دفعهم لتخصيص قسما جيدا من فعالياتهم ولافتاتهم هذا العام للرد على داعش التي تستخدم الدين في إرهاب الناس، من خلال حملة "لا إكراه في الدين" التي تقتبس مفرداتها من القرآن الكريم، لأن "الطريقة الأمثل للتعامل مع عدو من هذا النوع هي استخدام أدوات مشابهة لأدواته، فداعش تستخدم القرآن في حربها على السوريين، ونحن نستخدم القرآن حالياً في حملاتنا ضدهم، من خلال انتقاء عبارات مثل: "لا إكراه في الدين"، و"فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".

اختارت الاحتفالية " المكان المحرر من داعش والنظام" أي مدينة "كفر نبل" لتكون المركز الأساس لاحتفاليتها هذا العام، حيث علّق الناشطون شعارات كبيرة مكتوب عليها " الحرية لا بد منها" و"لا إكراه في الدين" في رسالة موجهة للدكتاتورية العسكرية والتطرف الإسلامي، مؤكدين أن "الفن يهزم القمع" من خلال  تعليق مئات البوسترات في الشوارع والساحات، إضافة لمجموعة من اللوحات الجدارية التي رسمت بالتعاون مع مشروع "عيش" في كفرنبل، الذي لوّن خلال الأشهر الماضية مجموعة كبيرة من جدران كفرنبل والقوى المجاورة، إضافة إلى مشاركة ابن مدينة كفر نبل الفنان "معن كليدو" بمعرض فسيفساء، ضم ٢٠ عمل ينسخ لافتات كفرنبل الشهيرة لتعلّق في المدينة كأعمال خالدة، مع طموح يصل حد إنشاء "بانوراما ضخمة عن الثورة تعلق على مدخل القرية، وتدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية" .

فريق الاحتفالية. المصدر: الشارع للإعلام والتنمية
فريق الاحتفالية. المصدر: الشارع للإعلام والتنمية

سعيا لكسر ضيق المكان وعدم حصر الاحتفالية بزمن ومكان محددين، أطلق الشارع احتفالية "مهرجان سوريا لأفلام الموبايل" بهدف تشجيع "المواهب السورية التي برزت خلال الثورة على مدى ثلاثة أعوام فيما يتعلق بتسجيل المواد المصورة على الهاتف المحمول كوسيلة للنشر أو التوثيق"، ولحث الناس "على تقديم  آرائهم ورؤاهم بطريقة إبداعية باستخدام كاميرات الموبايل، كجزء من علاقتهم اليومية مع محيطهم" على أن تعرض الأفلام المشاركة و الفائزة في أيلول/سبتمبر المقبل في "الأماكن المحررة شمال سوريا من خلال عروض في الهواء الطلق، وكذلك عبر الإنترنت على موقع المهرجان، مع إمكانية نقل الفعاليات لاحقاً لمهرجانات ومنابر أخرى في المنطقة والعالم" وذلك في محاولة لتوسيع الحيز الضيق الذي حشرت فيه الاحتفالية هذا العام.

لم يكن الضيق وحده من داعش الموجودة خارج "كفر نبل" والنظام الموجود بطائراته فقط، بل إن خوف الناس والرعب من "انتقام الأسد أو داعش" جعل الوضع "متوترا جدا في المكان خوفا من القصف وهذا ما حصل فعلاً إذ قصفت الطيارة قرى مجاورة ولم تقصف المكان".

من معرض برزخ في كفرنبل للفنانة هبة الأنصاري. المصدر: الشارع للإعلام والتنمية
من معرض برزخ في كفرنبل للفنانة هبة الأنصاري. المصدر: الشارع للإعلام والتنمية

هذا التوتر انعكس في معرض "برزخ" الذي نظمته الفنانة "هبة الأنصاري" في أحد البيوت المدمرة، حيث علقت فساتين علّق بها قوائم خروف، ضمن مشروعها "الحفر باللحم" ( سنتحدث عنه في حكاية خاصة)، وهو ما أثار جدلا بين الحاضرين، لجهة تخوّفهم من قصف النظام لمكان المعرض، و ما أثاره عرض اللحم من استفزاز لبشر بالكاد يؤمنون قوت يومهم وسط القصف و الحصار.

ولكن رغم أن "العمل داخل سوريا صار أصعب لعدم تقبل الناس لأي عمل خوفا من الانتقام" فإن كفر نبل "مكان استثنائي في علاقتها مع الثورة، وفي تعامل الناس مع التظاهرات واللافتات" فكانت مكانا آمنا نسبيا للناشطين الذين يرون ضرورة المواجهة، لأنهم "أصلاً ومن دون استفزاز يستهدفون كل ناشط أو صحافي. وسبق لفريق عملنا أن تعرّض للمضايقة والاعتقال، وما زال أحد أفراد الفريق مختطفاً في سجون "داعش"، فأي "فعل يدعو للحرية يستفزّ "داعش" والنظام معاً" ولذا لا بد من المواجهة.

بين "شارع" العام الماضي و "شارع" هذا العام، تغيّرت أشياء كثيرة على أرض الواقع: بدل الاستبداد أصبح هناك استبدادين، وبدل توّسع العمل المدني تقلص إلى حدود ضيقة، وبدل كسر حواجز الخوف حل التوتر والخوف من المجهول، وبدل التفاف الناس حول العمل المدني أضحوا يخشونه خوفا من الانتقام..

واقع صعب بلا شك. إذ لم يتوقع الناشطون الذين صدحت حناجرهم بالحرية في بداية الطريق أن يصلوا هنا، إلا أن "الفن يهزم القمع" وإن تأخر الانتصار. ولهذا لا يزال الشارع "مبحرا" صوب حرية يدرك أنه لابد من خوض مصاعبها للوصول إلى شطأن موانئها.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد