طلاب/ أحرار يختصرون أطوار الانتفاضة السورية


28 كانون الأول 2013

لم يكن يتوقع الطلاب الذين نظموا أول مظاهرة في كلية العلوم في جامعة دمشق (نيسان 2011) أن هذه اللحظة/ الحلم ستؤسس لاحقا لولادة واحدا من أهم التجمعات الشبابية التي لعبت دورا بارزا ومفصليا في انتفاضة السوريين ولا تزال، ألا وهو "اتحاد الطلبة الأحرار- فرع دمشق"، إذ تفاجأ المنظمون الذين كان عددهم حوالي الخمسين طالبا أن عدد المشاركين بلغ 400 طالب، وأن هناك من ناشطون غيرهم قاموا بالتصوير وتنزيل التظاهرة على وسائل التواصل الاجتماعي دون أن يكونوا على معرفة بهم، مما أعطاهم بشارة إيجابية إلى أن هناك قابلية للتظاهر والمشاركة في صفوف الطلاب من جهة، وأن ثمة ناشطون محترفون في نفس الجامعة، لأن تصوير التظاهرة كان احترافيا ويراعي متطلبات الأمان والحماية للمشاركين بعدم عرض الوجوه والتصوير عن بعد لأخذ الحجم الكامل للمظاهرة، كما قال أحد النشطاء لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".

وإذا كانت هذه المظاهرة أعطت إشارة البدء لضرورة تنظيم العمل لتثوير الجامعة فإن حدثا آخر حصل بعد شهر دفعهم لأخذ الأمر على محمل الجد أكثر، إذ بعد أن دعا الطلاب أنفسهم لمقاطعة امتحانات العملي في الكلية المذكورة تضامنا مع المدن الثائرة ( بانياس، دوما، درعا) تفاجؤوا بأن تسعين بالمئة من الطلاب استجابوا رغم  رغم تهديد إدارة الجامعة بفصل الطلاب المتغيبين، ليبدؤوا التفكير بكيفية تنظيم الحراك داخل الجامعة بعد أن تأكدوا من وجود قابلية للتظاهر والنشاط، ليولد تنظيم "اتحاد الطلبة الأحرار- فرع دمشق" في الشهر الثامن من عام 2011 بعد سلسلة من النقاشات والحوارات الطويلة التي كانت تجري بعد كل نشاط.

حدد الناشطون هدفهم المركزي الأول آنذاك بتنظيم العمل الثوري داخل كليات الجامعة ووضع خطط لكسر الحصار المفروض على الطلبة من قبل إدارة الجامعة و"اتحاد الطلبة السوري" الذي تحوّل أعضاؤه إلى طابور خامس لأجهزة الأمن، إضافة إلى تشجيع الطلاب على كسر حاجز الخوف ودفعهم للمشاركة في الثورة.

المرحلة الأولى من نشاطات الاتحاد بقيت محصورة في الجامعة، حيث تم تنظيم اعتصام كلية العلوم واعتصام كلية الطب البشري ومظاهرة خرجت من كلية الطب إلى السفارة الإيرانية على أوتوستراد المزة، حيث اعتقلت آنذاك الطالبة يمان القادري.

 وبعدها بدأت المرحلة الثانية التي تم خلالها نقل العمل إلى المدينة الجامعية حيث تم تنظيم اعتصامين في المدينة الجامعية، لتبدأ بعدها المرحلة الثالثة والأهم، بالخروج من الحرم الجامعي إلى شوارع دمشق وتوسيع النشاطات والفعاليات سواء تلك الخاصة بهم أو بالمشاركة مع التنسيقيات والتنظيمات الأخرى، حيث تم تنظيم مظاهرات طيارة في أكثر الأماكن حساسية في العاصمة دمشق بدءا من البرلمان وليس انتهاء بشارع بغداد والمزرعة وشارع 29 أيار والعفيف، حيث تخلل تلك المظاهرات رفع شعارات مطالبة بإطلاق سراح المعتقلين والدعوة لإنهاء الاستبداد وإسقاط النظام ورمي الشعارات في الشوارع في نهاية كل مظاهرة، إذ كانت مظاهراتهم تمتاز أحيانا بالإبداع والأفكار الجديدة، كأن يقوموا برمي قبعات التخرج بعد كتابة الشعارات عليها في الهواء وتركها مكان سقوطها ليراها المارة وكذلك الأمر بالنسبة للمناشير والبوالين وغيرها.

صبغ أحد شوارع دمشق باللون الأحمر ضمن حملة امتحان الدم. المصدر: الصفحة الرسمية للاتحاد على الفيسبوك
صبغ أحد شوارع دمشق باللون الأحمر ضمن حملة امتحان الدم. المصدر: الصفحة الرسمية للاتحاد على الفيسبوك

وإلى جانب التظاهر نظّم الاتحاد عددا كبيرا من الفعاليات والنشاطات مثل حملة رفع أعلام الاستقلال على جسور دمشق، إذ تم رفع أعلام كبيرة على جسر الرئيس وفي حديقة المهاجرين وجسر مشروع دمر والمزة والمتحلق الجنوبي من جهة الميدان، وكذلك حملة "إلصاق ستيكرات أعلام الاستقلال"  إضافة إلى حملة تضمنت وضع مكبرات صوت في قاعات الجامعة كما حصل في كلية الصيدلة والعلوم، ورمي دهان أحمر في الشوارع وتضمنيه قصاصات ورقية مكتوب عليها أسماء المدن المحاصرة حينا، وأسماء المعتقلين حينا، ودعوات لمقاطعة الامتحانات حينا كما في حملة "امتحان الدم" التي وزع فيها ما يقارب الـ 500 منشور في أماكن مختلفة ضمن جامعة دمشق ( علوم، اقتصاد، رئاسة الجامعة، تربية، حقوق، سيارات الدكاترة وعلى رأسهم سيارة عميد كلية الاقتصاد..).

ونظم الناشطون أيضا حملة "عملية القلم المكسور" حيث قام الطلاب بكسر الأقلام ورميها في الجامعات "دليلا على أنهم يدرسون ولكن بقلم مكسور لا يقوى على الكتابة من دون أصدقائهم: شهداء ومعتقلين".

ملصق على أبواب أحد المحلات في دمشق ضمن حملة بيكفي استغلال. المصدر: الصفحة الرسمية للاتحاد على الفيسبوك
ملصق على أبواب أحد المحلات في دمشق ضمن حملة بيكفي استغلال. المصدر: الصفحة الرسمية للاتحاد على الفيسبوك

مقارعتهم للاستبداد لم تنسهم تجار الأزمات والمتاجرين بالثورة، إذ نظموا حملة "بكفي استغلال" في أهم أسواق دمشق (البزورية - باب سريجة - مدحت باشا - الجمعة – الشعلان) حيث قاموا "برمي المناشير وإلصاق الملصقات على المحلات لإيقاف الاستغلال والحد منه".

وحين اشتد القمع الأمني عليهم لم ييأسوا بل قاموا بابتكار أدوات مقاومة تؤدي الفعل المرجو منها وتحميهم بنفس الوقت، كما في حملات إطلاق بوالين في جامعات وسماء دمشق، و تطيير حمامات الحرية بعد ربط الشعارات بأرجلها، وقد كنا توقفنا عندها في أحد مقالاتنا في "سيريا أنتولد Syria untold".

مع طول زمن الثورة طوّر الناشطون عملهم ونشاطهم وأصبح يخضع لتقسيم وتنظيم أفضل، حيث اختص كل قسم جامعي بعمل ما، فناشطو كليات الطب والصيدلة والتمريض انخرطوا في نشاط المشافي الميدانية والنقاط الطبية بالتعاون مع التنسيقيات في المناطق الساخنة، وكان هؤلاء أنفسهم يقومون بتوثيق الحالات ونقل الأخبار لكادر كلية الإعلام الذي يقوم بدوره بإعادة إنتاج المواد والوثائق والأفلام الذي يأتي بها هؤلاء من المناطق الساخنة لمنتجتها وجعلها بحدود 5 – 10 دقائق لتسهيل تحميلها و نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي لتأخذها وسائل الإعلام وتقدمها للرأي العام.

 وأما طلاب كلية العلوم – قسم الكيمياء، فقاموا بتصنيع بعض المواد التي تحتاجها النقاط الطبية إذ لم يكن هؤلاء يملكون المال لكل شيء لأن التمويل ذاتي من أعضاء الاتحاد، فصنعوا المواد الداخلة في تركيب أكياس الدم مثلا، و أقدموا على تركيب خلطة تجعل النيران تشتعل بسرعة ولمدة أطول لكي تساعد الناشطين على الهرب بعد المظاهرة، إذ كان هؤلاء يقدمون على قطع الشارع بالنيران لمنع الأمن من الاقتراب واكتساب زمن يمكّنهم من الهرب ويمنع الأمن من اللحاق بهم بسرعة، إضافة إلى تصنيع مواد كيميائية تساعد البوالين على الطيران.

قلم مكسور ضمن حملة القلم المكسور التي نظمها التجمع. المصدر: الصفحة الرسمية للاتحاد على الفيسبوك
قلم مكسور ضمن حملة القلم المكسور التي نظمها التجمع. المصدر: الصفحة الرسمية للاتحاد على الفيسبوك

ولم يقتصر نشاط الطلبة على الجامعات الحكومية بل وصل إلى الجامعات الخاصة مثل اعتصام جامعة القلمون الذي جرى في الشهر التاسع 2012.

العوائق التي تعترض عملهم تتجلى بأن مجال نشاطهم محصور في المناطق التي يسيطر عليها النظام وسط دمشق ولا يزال. وهذا عرضهم لاعتقالات كثيرة استنزفت الكثير من كوادرهم، إضافة إلى تعرضهم للفصل من الجامعات وبقاء مستقبلهم معلقا في فضاء المجهول، عدا عن ضعف التمويل الذي أدى تدريجيا إلى دخول الأجندة الإسلامية إلى كوادرهم خاصة أن أغلبهم ذوو أعمار صغيرة لم يتبلوّر وعيها بعد مما جعل قسم منها عرضة للتأثر بالتيارات الإسلامية الصاعدة، وهو أمر بدأ يظهر منذ الشهر الثامن عام 2012 حيث بدأت تظهر شعارات إسلامية إلى جانب الشعارات المدينة واحتفاء مبالغ به بالجيش الحر، وهو ما ساهم كله في نهاية المطاف في تقليل نشاطهم إلى الحد الأدنى إلى درجة أنه اليوم يكاد يقتصر على الشق الإعلامي والإغاثي والطبي.

"اتحاد الطلبة الأحرار- فرع دمشق" نشاط ثوري سوري تكاد مسيرته بكافة تحوّلاتها تعكس أطوار الانتفاضة السورية بدءا من سلميتها إلى مراوحتها اليوم بين العسكرة والأسلمة والأجندة الدولية، لنكون أمام شباب حاولوا أن يقدموا أفضل ما عندهم لثورتهم إيمانا منهم بأن الاستبداد إلى زوال مهما طال.

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد