سعد حاجو يثأر من الدكتاتور برسمه!


28 كانون الأول 2013

لم يشتغل أحد على صورة الدكتاتور كما اشتغل الفنان السوري " سعد حاجو "، الذي جعل من رسوماته مادة حيّة تعكس عيوب الاستبداد وعنفه و تشوّه شخوصه كافة، إذ كل لوحة تعكس جانبا من أمراضه، بدءا من لثغه بحرف السين مما يجعله غير قادر على لفظ سوريا بشكل صحيح، وليس انتهاءا بالسخرية من طول الدكتاتور الذي يشبه تارة مشنقة مرفقة بعبارة "دود الخل منو وفيه"، وتارة حذاءا عسكريا مقلوبا يسخر من الدكتاتور ومؤيديه الذين رفعوا البوط العسكري فوق رؤوسهم، وبملء إرادتهم، مرورا بالبراميل المتفجرة التي تهبط من سماء القتل وهي تحمل صورة الدكتاتور الذي أصبح اسمه مرادفا للموت.

 كأنّ ثمّة ثأر شخصي بين الدكتاتور والفنان الذي يسعى جاهدا لربط كل حدث بصورة الدكتاتور، فحتى حين يغيب وجه الدكتاتور عن اللوحة يحضر في معناها كما في لوحة " ثورة في نهاية النفق" التي قال عنها الفنان " أحَد الأسباب المُباشرة في ثورة الناس على الاستبداد هو عتمة عيون الطاغية الحالِكة, فمابالكُم إن كان فوق ذلك طبيب عيون!!!"، لنكون أمام ثنائية الصراع الأزلي بين المثقف والسلطة أو الفنان والدكتاتور، حيث ريشة الأول ولوحته هي سلاحه لمواجهة برميل الموت الهابط من سماء الدكتاتورية.

رسم لحاجو يمثل الدكتاتور التونسي الراحل بن علي....المصدر: صفحة الفنان سعد حاجو على الفيسبوك
رسم لحاجو يمثل الدكتاتور التونسي الراحل بن علي....المصدر: صفحة الفنان سعد حاجو على الفيسبوك

علاقة الفنان مع الثورة بدأت قبل اندلاع الانتفاضة السورية، إذ يقول لموقعنا سيريا أنتولد Syria untold": "منذ الحدث الجذري الذي تمثل بالمظاهرات في تونس، استطعت كغيري وبالعين المجردة أن ألاحظ تغيّراً أساسيّاً في الشعور الجمعي لشعوب المنطقة، قمت بنشر رسومات عديدة عن الحدث, أحدها أعيد رسمه على لافتة كبيرة الحجم في تظاهرة ضخمة جداً في صفاقس، وصلتني صورة عنها من طريق وسائط التواصل الاجتماعي"، الأمر الذي نبّه "حاجو" المولود في دمشق( 1968) والخريج كلية الفنون الجميلة (1989) إلى أهمية اللوحة في هتك قداسة الدكتاتورية، وذلك أن قبل أن يبدأ الربيع السوري الذي انتظره الفنان مذ بدأ يرسم كاريكاتوراته في جريدة السفير اللبنانية منذ العام 1995، وملحق جريدة النهار اللبنانية من عام 1993- 1995.

ولم لا ينتظر الفنان الثورة؟

 وهو الذي يعتبر أن "للكاريكاتور دور ثوري خفيف الظلّ ساخر و..جَدّي"، محددا هدف عمله بـ "إثارة البسمة على وجوه القراء والمتابعين، والوصول بالكاريكاتور إلى دوره الأساس وهو التحريض الإيجابي، والمشاركة بالفعل، وتجنّب أداء الدور السلبي من نوع تنفيس الاحتقان، أو البقاء ضمن دائرة ردّ الفعل"، لنكون أمام فنان تعكس لوحته ورؤيته للفن ثورية كامنة لن تلبث أن تتفجر مع بدء الربيع من درعا، حيث قام الفنان "بتنفيذ رسومات شديدة المباشرة أقرب إلى التوثيق منها إلى التأليف، ربّما للزخم العاطفي والوجداني الذي بدأ بالتشكّل لدى الناس, على سبيل المثال أُشير إلى كاريكاتور نفذته كناية عن شخصية نهاد قلعي/ حسني البورظان وقمت بتبديل عبارته المشهورة إلى إذا أردنا أن نعرف ماذا يحدث في سوريا وجب علينا أن نعرف ماذا حدث في درعا".

.

صورة للفنان سعد حاجو يحمل رسم كاريكاتيري للرئيس حافظ الأسد رسمه الفنان السويدي إيفرت كارلسون....المصدر:صفحة الفنان على الفيسبوك
صورة للفنان سعد حاجو يحمل رسم كاريكاتيري للرئيس حافظ الأسد رسمه الفنان السويدي إيفرت كارلسون....المصدر:صفحة الفنان على الفيسبوك

رغم كل المآزق التي تعانيها انتفاضة السوريين من دخول السلاح والتطرف وخذلان المجتمع الدولي يرفض الفنان التوصيفات المائعة لما يحصل في سوريا، فما يحصل من وجهة نظره لا يحتمل المواربة والفأفأة، لأنه "انتفاضة شعب على حكامه المستبدين لتحقيق العدالة الاجتماعية والمواطنة, فهي بالنسبة لي حتماً تلك الكلمة/الفعل الواقفة وحيدة في وجه كل التعبيرات المراوغة مثل: الأزمة, الصراع في سوريا, ذلك الذي يحدث"، معتبرا أن سؤاله عما قدمه للثورة فيه استفزاز يذكره "بدروس التوجيه السياسي في الأحزاب" لأنه من المعيب أن يتعاطف الفلسطيني مع قضيته والسوري كذلك، فـ "أنا شخصيّاً أحاول أن لا أصبح "متعاطفاً" مع السوريين من خارج المشهد, أي أنا رسّام كاريكاتور سوري, وأحاول أن أتقن عملي " فقيمة المرء مايحسنه ".

أهم ما في الانتفاضة من وجهة نظر الفنان المؤمن بتقريب المسافة بين النخبة والشارع وبدور الفن في عملية التغيير هو "تقارب طرق التعبير الشعبي ومنه الفني, من طرق تعبير النخبة والعاملين في المجال العام" مع المحافظة بذات الوقت على المستوى الفني فالفنان واع للصعوبة "بين عدم القدرة على تصوير مايحدث ضمن شروط العمل الفنّي, وبين ضرورة التعبير عنه" في ظل المشاهد المأساوية التي يعايشها الفنان وتحفر في لوحته عميقا، و المتمثلة بـ"المجازر وسقوط الناس تحت التعذيب بعد اعتقالهم واختفائهم. وضوح جريمة "الشرعية الدوليّة" ضد الإنسانية في سوريا".

رسم للفنان يمثل البوط العسكري...المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك
رسم للفنان يمثل البوط العسكري...المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك

يعتبر الفنان أن الانتفاضة أعادت للثقافة كرامتها و "معناها الأصلي كفعل مواجهة وتهذيب" إذ ساهمت في سقوط "مفهوم البطل الفرد, النجم الأوحد .. وسقط المفهوم الممانع المخادع بأن الشعب السوري كتلة واحدة صمّاء تتكسّر عليها كل أمواج الرجعية والمؤامرات الكونية المكشوفة"، لصالح التعدد والتنوّع ليتحوّل المواطن السوري "من فرد مُنفعل أو حتى مفعول, إلى مواطن فاعل".

العلاقة بين الحدث اليومي المتواتر واللوحة تبدو واضحة جدا في رسوم الفنان الذي يستمد "وحي" أو فكرة لوحته من شارع موّار بالتحدي والغضب فحين "ردّد الناس في الشارع عبارة "طير وفرقع يابشار", قمت برسم كاريكاتور فوري عنها. و حين رفض أوّل طيار حربي قصف الناس بالقنابل وانشق مع طيارته الميغ إلى الأردن، استعملت كلمة "طيّارة" ورسمتها بشكل يوضّح أن بشّار "أكل طيارة على رقبته" جرت مشاركتها على مواقع التوصل الاجتماعي أكثر من عشرة آلاف مرة".

رسم للفنان يماهي مابين داعش وحزب البعث.المصدر:الصفحة الرسمية للفنان سعد حاجو على الفيسبوك
رسم للفنان يماهي مابين داعش وحزب البعث.المصدر:الصفحة الرسمية للفنان سعد حاجو على الفيسبوك

هذا التماهي مع الحدث يجعل الفنان خائفا دوما من الوقوع في مطب " الاستسهال في صنع الأفكار والوقوع في الابتزاز العاطفي"، لذا يعمل جاهدا على إبقاء عينه النقدية حاضرة ليس على أعماله فحسب بل على الانتفاضة لرؤية ما تفرزه على جوانبها من سلبيات لتسليط الضوء عليها دون مهادنة أو مواربة، لذا لم يتردد بوصف الإرهاب القادم من "داعش" وتجريمه، معتبرا أنّ ثمة صلة بين الإرهابين: إرهاب داعش وإرهاب الاستبداد، في لوحة جميلة تم تناقلها بكثافة على لوحات التواصل الاجتماعي وحملت عبارة " يسقط حزب الدعش العربي الاشتراكي".

يحلم الفنان اليوم بأن لا يعود السوري "مكتوم المواطنة" رغم "أن مآلات الأحداث لا تطمئن, وأن حجم المأساة أضخم من بساطة وعدالة مطالبنا كبشر" ساعيا لرسم بسمة أمل على وجوه السوريين المعذبة بالأمل والمستحيل والحرية.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد