دمشق تطيّر "حمامات الحرية للمعتقلين" لكسر الحصار


03 كانون الأول 2013

تعيش العاصمة دمشق هذه الأيام توترا مكبوتا ومضبوطا بين قوى الأمن و النشطاء المدنيين الذين لازالوا في المدينة بشكل سري، إذ تمكن النظام من فرض حصار شامل على العاصمة وعزلها عن ريفها، وتمكن أيضا من عزل الأحياء بعضها عن بعض من خلال إحداث لجان أمنية محلية في كل حي تتصل مع جهاز أمني ما، يتصل بدوره مع جهاز أمني أعلى، مستعينا بجيش من المخبرين العلنيين والسريين، الأمر الذي صعّب على النشطاء المدنيين متابعة نشاطاتهم بسبب التخوف من انكشافهم، وبسبب قسوة المصير الذي بات ينتظرهم، إذ قتل مؤخرا بعض النشطاء المدنيين تحت التعذيب.

هذا الأمر خلق مناخا صعبا، لدى قيادات التنسيقيات ومجموعات العمل الثورية التي لاتزال تعمل في إطار المقاومة المدنية السلمية، إذ يقف هؤلاء حيارى بين صعوبة العمل الميداني على الأرض، وبالتالي عدم تعريض كوادرهم لخطر الاعتقال وربما الموت، وبين ضغط الكوادر على هذه القيادات لمواصلة النشاط على الأرض غير عابئين بالمخاطر التي تحيط بهم، فـ "الحرية يهون في سبيلها كل شيء، ولا يجوز أن يخصينا الخوف عن متابعة دربنا مهما كانت الصعاب" كما يقول أحدهم لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".

هذه الروح الموّارة بالتحدي هي ما يقلق "حسام" الذي يعمل في قيادة أحد مجموعات الحراك السلمي التي لازالت متواجدة في دمشق، إذ يقول لمموقعنا: " أجد صعوبة بالغة في شرح الأمر لهم. هم يريدون أن يتظاهروا ويتابعوا نشاطاتهم دون أن يأخذوا الوضع الأمني الصعب بعين الاعتبار، في حين أنني متفق معهم من حيث الجوهر، ولكني بنفس الوقت مطالب بحمايتهم وعدم تركهم يغامرون، إن لم يكن الفعل يستحق التضحية حقا".

صورة تظهر إلصاق علم الاستقلال من قبل الناشطين في حي الميدان الدمشقي. المصدر: اتحاد الطلبة الأحرار- جامعة دمشق
صورة تظهر إلصاق علم الاستقلال من قبل الناشطين في حي الميدان الدمشقي. المصدر: اتحاد الطلبة الأحرار- جامعة دمشق

 

الوضع هذا دفع الناشطين للتفكير بآليات عمل لا تتطلب تواجدا مكثفا في الشارع ( كالمظاهرة مثلا) أو يكون كشفها صعبا، بمعنى أن يعتمد تنفيذها على أفراد قلائل، أو فرد واحد كتوزيع المنشورات أو رمي الأوراق وإلصاقها على السيارات، وقد نفذ الناشطون فعلا عدد من هذه الحملات سابقا، مثل نقود الحرية و "إلصاق ستيكرات أعلام الاستقلال" التي قام بها "اتحاد الطلبة الأحرار – جامعة دمشق".

 

حمامات الحرية في سماء دمشق بعد إطلاقها من قبل الناشطين. المصدر: اتحاد الطلبة الأحرار - جامعة دمشق
حمامات الحرية في سماء دمشق بعد إطلاقها من قبل الناشطين. المصدر: اتحاد الطلبة الأحرار - جامعة دمشق

اتحاد الطلبة الأحرار نفسه سيبدع مؤخرا في كسر الحصار المفروض على النشاط المدني في العاصمة، عبر إبداع فكرة ملفتة تمكنت من كسر الحصار هذا، والتعبير عن وجودهم بعيدا عن أعين الأمن وبما يحميهم من الاعتقال، إذ أطلق النشطاء  ما أسموه "حمامات الحرية للمعتقلين"، حيث قاموا بكتابة أسماء المعتقلين المنسيين في زنازين النظام على أوراق صغيرة وربط الأوراق برجل الحمام، والصعود إلى جبل قاسيون الذي يحكم الأمن والجيش القبضة عليه جيدا، وأطلقوا الحمام ليطير فوق سماء دمشق في تحدي بالغ الدلالة للأمن والنظام، تحدي يقول: مهما بلغ حجم العنف والقبضة الأمنية والحصار، فإن عشبة واحدة  قادرة على كسر تربة الأرض، وحمامة واحدة قادرة على كسر هذا الحصار، وهي تحمل أسماء أحرار سوريا الذين تغيّبهم السجون لترميها فوق شوارع وأحياء العاصمة المنهكة من جرّاء الحواجز التي قطّعت أوصال المدينة، في نشاط أرادوه تحية لمعتقلين غابوا في زنازين النظام زمنا طويلا.

"حمامات الحرية للمعتقلين" وغيرها من النشاطات والفعاليات التي يسرقها النشطاء من فم تنين الأجهزة الأمنية، تدل على أن ناشطو دمشق يدركون أن دربهم طويل ولذا بات نشاطهم يأخذ بعين الاعتبار هذا الوضع الأمني المعقد، وطول مسير الدرب نحو الحرية لأجل بلوغها بأقل الاثمان الممكنة.

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد