تمام عزام: الثورة تعطي الجميع


18 تشرين الثاني 2013

خريطة سوريا الحمراء تنزف دما، وبجانبها  قذيفة هابطة من اللاشيء القاتل. هي عمل فني للفنان "تمام عزام" يعرفه السوريون جيدا، لأنه تصدر العديد من المعارض والمسرحيات وغزا صفحات الفيسبوك لتكون رسول الانتفاضة السورية للسوريين أولا وللعالم ثانيا.

ورغم أن الفنان الذي ولد في دمشق (1980) ويعيش اليوم في دبي يعتقد بأن لا أحد "يستطيع أن يقدّم شيئاً للثورة، الثورة تعطي الجميع"، فإن أعماله الفنية أصبحت وجها من وجوه الثورة التي أعطت السوريين الكثير، حتى غدا تأثيرها بالنسبة للفنان "يشبه الولادة بمعنى من المعاني"، معتبرا أن "تأثير الثورة السورية لم ولن يكون مقتصراً على العمل الفني لأي فنان، بل أن هول الحدث وحجم الجريمة أكبر تأثيراً من ذلك بكثير. فكرة الثورة بحد ذاتها تقوم على فعل التغيير، حتى الذين لا يقفون معها يطالهم هذا التغيير حتماً" كما يقول لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".

عمل فني احتجاجا على قصف المخابز. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك
عمل فني احتجاجا على قصف المخابز. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك","title":"..... EN

الفنان الذي أقام العديد من المعارض الفردية والجماعية في عواصم متعددة، لم يعد يفكر اليوم إلا بمن  "يموتون ويدفعون حياتهم ثمناً لحرية لم نكن نعرف عنها شيئاً "، ليسكنوا لوحته وإن غابت وجوههم، فإن بقايا أرواحهم وأفعالهم موجودة، فرغيف الخبز الملوّث بخريطة العالم والدماء في آن، دلالة على البشر الذين رحلوا ثمنا لرغيف خبز انتظروه على أبواب الأفران فجاءهم على شكل قذيفة موت، ورسالة احتجاج صامت في نفس الوقت ضد بشرية تتفرج على قصف المخابز والبشر المنتظرين ساعات للحصول على لقمات خبز.

اللون الأحمر يعصف بالكثير من لوحات الفنان، من خريطة سوريا النازفة دما، إلى لوحة الربيع السوري الذي يأتي على هيئة فراشة حمراء تقطر دما هي الأخرى في دلالة على جوهر الربيع الذي لم يزل محتفظا بفراشته/ جوهره المطالب بالحرية رغم كل ما حصل، وفي  "غسيل سوري" نجد ثيابا ملطخة بدماء أبناء درعا، إذ يقول عنها "في أيام الثورة الأولى جلست في مرسمي لأرسم غسيلاً من درعا.
شباك الأمهات ..لم أعرف أن حبال الغسيل في وطني ستمتلىء بثياب الحداد".

 "الغسيل السوري" تأتي من ضمن المشروع الذي كان يعمل عليه الفنان، إذ "كنت أشتغل قبل الثورة على مجموعة ( الغسيل ) والآث الذي يتركه الناس بعد رحيلهم، ترحيلهم من المكان الذي اعتادوه. معتمدا المواد المختلفة والرسم والكولاج"، في حين أن أعماله اليوم تنتمي "بمعظمها للفنون الرقمية، وإن كنت قد أدخلت فيها الكثير من أعمالي المرسومة، عبر مسحها وإدخال التأثيرات المختلفة عليها، واستخدام مقاطع من صور فوتوغرافية مأخوذه من الدمتر المحيط بنا".

يعتبر الفنان نفسه اليوم "شخص مختلف تماماً عن ذلك الذي عاش ثلاثين عاماً قبل الثورة" التي غيّرت فيه الكثير، لينعكس ذلك على فنه الذي يتحوّل ويتطور يوميا، فكما صبغ الأحمر أعماله الأولى في البداية، فإنه اليوم يعكف على إنجاز "أعمال فنية أشمل وأكثر عمومية، تعتمد فكرة الانسان على العموم، والقهر والفقد".

في أعماله الفنية هجاء واضح للسلاح الذي يقتل الحياة ويدمر حياة السوريين، فقلب الحب الشهير الذي يرسمه العشاق لبعضهم كدلالة وله وغرام،  أضحى ممتلئا بكل أنواع الأسلحة، والطفل الحالم ببالون يحمله للسماء أو الأرض أصبح يسقط بمظلة القذائف، وحمامة السلام تحمل بمنقارها رصاصا وغصون زيتون في آن، في دلالة على قساوة الحياة التي يعيشها السوريون وهم يخوضون دربهم الطويل نحو الحرية.

عمل فني للفنان بعنوان  المتحف السوري- ماتيس  .المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك
عمل فني للفنان بعنوان المتحف السوري- ماتيس .المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك","title":"..... EN

ترصد أعمال الفنان الفنان الجريمة أيضا دون أن تسقط في فخ المبتذل واليومي والزائل، ففي أحد أعماله الفنية له يستعير لوحة  "فـرانسيسكو غـويا (يوم الثالث من مايو ١٨٠٨) التي خلد فيها يوم إعدام مئات الأبرياء من المواطنين الإسبان، لينقلها إلى واقع سوري مشابه، مرفقة بعبارة"كم يوماً كالثالث من مايو في سوريا اليوم"، في إدانة واضحة للقتل من جهة، وتأكيد على موقف الفنان الملتزم جانب الضحايا والمظلومين منذ غويا  وماتيس ودالي وكليمت إلى اليوم، ليقيم الفنان علاقة جدلية بين لوحاتهم والواقع السوري الأليم.

رغم اليأس والقساوة والدم الخارج من أعماله الفنية وهي ترصد الخراب السوري بفجائعية وصلت حد السخرية من تمثال الحرية الشهير بتمثال سوري منجز من بقايا البيوت المهدمة.. رغم ذلك لا يخضع الفنان لوحته لليأس المطلق، فخلف هذا اليأس ثمة أمل يتقدم، وخلف هذا المهدّم ثمة حلم يعبر عن نفسه وإن بخجل. إنه حلم السوريين وأملهم بعودتهم لبيوتهم وهم يحضنون حريتهم، وهو ما تعكسه ألوان الحياة على بناء مهدم، والزهور النامية على جدرا القنبلة والأطفال المتحلّقون حول الفوهة التي أحدثتها القذيفة في جدار وهم يرفعون شارة النصر، والطفل الساخر من الطائرة الحقيقية جاعلا منها طائرته الورقية! لنكون أمام لوحات تحمل الأمل في طياتها حتى وهي ترصد هذا الخراب العميم.

لمتابعة صفحة الفنان على الفيسبوك، يمكن الضغط هنا.

محطات:

  • تمام عزام ولد في دمشق 1980
  • انتقل ليعيش ويعمل في دبي بعد الثورة السورية
  • قدم العديد من المعارض الفردية، منها:

غاليري أيام، القوز،دبي ٢٠١٢

غاليري أيام، مركز التجارة العالمي ،دبي 2011

غاليري أيام، بيروت 2010

غاليري أيام، دمشق 2010

المركز الثقافي الفرنسي ٢٠٠٦دمشق، حلب

أتاسي غاليري ٢٠٠٥.

  • مشاركات دولية متعددة في آرت بتزل، وبينالي الفنون في ليوبليانا، سلوفينيا 2013، استنبول، ميلانو، باريس و غيرها.

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد