لاجئو الراب: أغاني تصدح بالحرية من سوريا إلى ما بعد كوريا


02 تشرين الأول 2013

لم يكن يتوقع أعضاؤ فرقة "لاجئي الراب" أن ما جاء في أغنية لهم سيكون شاهدا عليهم يوما ما، وأن القدر يخبئ لهم بين طياته ما يحقق نبؤتهم تلك، وإنما بشكل معكوس، إذ جاء في الأغنية التي غنيت قبل عام اندلاع الانتفاضة السورية ( 2011) و تشرح معنى الراب "أنا فلسطيني عايش بسوريا/ بدي وصل كلامي لبعد كوريا".  

الآن الآية معكوسة: فبعدما كان الفريق يقطن دمشق ويسعى لإيصال صوته إلى "ما بعد كوريا"، بات اليوم في المنفى الباريسي، ويسعى لإيصال صوته إلى الداخل السوري الذي اضطر لمغادرته تحت وطأة القمع الذي تعرض له، عبر رحلة طويلة تتبّع "سيريا أنتولد Syria untold"، لرواية واحدة من قصص الإبداع المقاوم بوجه الدكتاتورية.

حين اندلعت الانتفاضة السورية ضد النظام السوري ( آذار 2011) لم يفكر أعضاء فرقة "لاجئي الراب" بالانضمام لها فحسب، بل انخرطوا مباشرة بها، لأنهم كانوا حسموا انتمائهم للحق والحرية منذ تأسيسها عام 2005، كواحدة من فرق " الهيب هوب"، حيث تؤكد أغنيتهم "هذا هو الراب" هذا الخيار، إذ تقول "رح ضل احكي عن كل شي عم يصير/ رح ضل احكي ومارح خاف من المصير/ الراب صار بدمي متل النيكوتين/ لأنو بحكي يلي بقلبي والواقع الحزين/ بالراب رح كمل حلمي"، إضافة إلى أفعالهم ونشاطاتهم في مجال الأعمال الخيرية، حيث شاركوا بعدة أعمال خيرية وإنسانية مع عدة جمعيات مثل "بسمة" للأطفال المصابين بالسرطان في سوريا.

https://www.youtube.com/watch?v=aGm8AQe6bjo

ولم لا يكون الأمر كذلك، وهي التي ولدت في مخيم اليرموك الذي يقطن به اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، حيث " الحدث السياسي" حاضر على الدوام، وهو ما انعكس على الاسم ( لاجئي الراب) الذي جاء لسببين، أولهما أن الفرقة شعرت أن الراب هو الملجأ الذي يتيح لها حرية التعبير بشكل جريء عن مختلف قضايا ومشاكل المجتمع. والثاني: أن أعضاء الفرقة من جنسيات عربية مختلفة فكان الراب العربي الملجأ الذي جمعهم.

تأسست الفرقة على يد أربعة مغنين راب، من أصول فلسطينية وسورية وجزائرية، (ياسر جاموس ومحمد جاموس و أحمد زروق ومحمد جواد )، لتبدأ رحلة طويلة من النضال أوصلتهم إلى أن يحوزوا اهتماما كبيرا، تكللت، بأن يكونوا أوّل فرقة راب تشارك بدار الأوبرا بدمشق ( 2010)، إضافة إلى  مشاركتهم بمهرجان "الملتقى الرابع لثقافة الهيب هوب في منطقة البحر المتوسط بالقاهرة - مصر 2011 و حفلات بدار الأوبرا في القاهرة.

حين اندلعت الانتفاضة وضعت الفرقة موسيقى الراب بخدمة الانتفاضة ضد الدكتاتورية، حيث تحوّل الاستديو الخاص بهم، والكائن في مخيم اليرموك إلى ورشة عمل لإنتاج أغاني تعزز موقف الانتفاضة السورية وتشرح وجهة نظرها عبر أغاني تسلط الضوء على مساوئ الدكتاتورية ومحاسن الحرية، الأمر الذي جعلهم هدفا لأجهزة الأمن التي لم تتوانى عن ملاحقتهم، وتهديدهم بالقتل، وتدمير الاستديو المموّل "من قبل الأمم المتحدة، وكنا نسميه صوت الشعب"، كما يقول ياسر جاموس أحد أعضاء الفرقة لسيريا أنتولد Syria untold".

المناخ الأمني الصعب في البلاد، وعدم قدرتهم على العمل بحرية دفعهم، لمغادرة البلاد، في أيار 2013، إلا أنهم ما زالوا يستخدمون كلمات أغنياتهم لإدانة القمع والأعمال الوحشية التي ترتكب يومياً بحق السوريين، إذ لم يكن البعد محبطا لهم، بل سعوا لتوظيفه أكثر، ولهذا أطلقت الفرقة مؤخرا ألبومها الثالث، تحت عنوان "عصر الصمت"، كناية عن الحالة التي كان يقاسيها السوريون على مدى عقود طويلة، وهو يحوي عشرين أغنية قدمها الفريق منذ بداية الانتفاضة السورية وحتى الآن، منها أغنية "حرام" التي تتحدث عن أوضاع الانتفاضة السورية، علما أن ألبومهم الأول ( نهاية 2007 ) حمل اسم "لاجئي الراب" ، حيث حظيت "أغنية فلسطين، القرار" بقدر كبير من الاهتمام بالشارع العربي وصنفت بالمرتبة الأولى لمدة شهر بالموقع الرسمي لأغاني الراب بالوطن العربي، وتم تنزيلها أكثر من 500000 مرة عن طريق الانترنت. والثاني حمل عنوان "وجه لوجه" (2010).

https://www.youtube.com/watch?v=Io0guyTe-94

عن رحلته بعيداً عن سوريا يقول ياسر: "كان الهدف من القدوم الى أوروبا هو نشر الصورة التي شاهدتها الفرقة بالداخل السوري من قمع و إجرام،  والعمل على عدة جولات فنية وورشات عمل مع فنانين أوروبين من الدنمارك، إسبانيا، فرنسا، السويد، بهدف نشر الصوت بشكل أفضل وصورة تعطي المجتمع الأوربي ان الثورة السورية بدأت بأصوات الشعب وهي للشعب .

وهدفت الفرقة حين تأسست إلى تقديم تفسير لبعض القضايا ( السياسية والاجتماعية) من وجهة نظر شباب يقطنون الأحياء الشعبية البسيطة، مع احترام عاداتهم وتقاليدهم بعدم احتواء الأغاني على ألفاظ نابية، إضافة إلى السعي لتأسيس ثقافة عربية ضمن الأصول العربية والقومية لفهم المجتمع ومشاكله، وجعل الراب ركيزة أساسية من ركائز الموسيقى العربية في سوريا والعالم العربي عبر تطعيمه بآلات شرقية مثل العود والقانون والناي.

تعاونت فرقة لاجئي الراب مع فنانين ذي شهرة على مستوى العالم، حيث أنتجوا أغنية "أفكار" بالتعاون مع فرقة الهيب هوب الفلسطينية (الدام)، و"ماليكا وأر جي بي" و"رمسيس" من البنان و فرقة "أسفلت" من مصر و"صلاح الدين أريان" من تركيا و"أندريا" من إيطاليا و "دونة" و"ألفا ميكا".

 وشاركوا العديد من المغنين الآخرين حفلاتهم وأغانيهم مثل حازم العاني وبشار موسى (فرقة كلنا سوا) و هنيبال سعد ( قائد الأوركسترا السورية) و أغتية "فساد" بالتعاون مع المغنية "ليندا بيطار" والمغنية "ميرنا قسيس" والمغني "عاصم سكر" والمغني "شادي العلي" من سوريا ومجموعة المدرسة الدنماركية الموسيقية من الدنمارك.

وقد ظهر الفريق في وسائل الإعلام الدولية مثل قناة (الرولينغ ستونز)، وقناة البي بي سي التي صورت وثائقي عن عملهم الفني عام 2010، وقناة MBC1  و العربية و الجزيرة و الآن. وعالمياً على Guardian Tv البريطاني، و TRT Turk ووكالة الأنباء التركية AA Turk ، والعديد غيرها كما شاركت بفيلم المدرسة السورية من إنتاج قناة الBBC WORLD.

لاجئي الراب، تعكس قصة شباب آمن بقضية الحرية والتغيير فاندمج بها باكرا، وحين اندلعت الانتفاضة لم يتردد بالانضمام لها، مغامرا بكل شيء ومستعدا لدفع أفدح الأثمان التي تجلت بالاضطرار لمغادرة البلد، دون أن يمنعهم الأمر من إبقاء صوتهم صادحا بـ"راب" الحرية، ليغدو لجؤوهم وطنا.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد