المرأة الرقاوية التي هزت عرش داعش


10 تشرين الأول 2013

بين خوفها على أهلها الذين قالوا لها "إذا صرلنا شي ما منسامحك" و خوفها على سورية  "اللي ما لازم تنترك لحالها"، تعيش الناشطة الرقاوية "سعاد نوفل"، مجسدة التمزق الذي يعيشه كل سوري حاليا بين اليأس والهجرة من البلد أو الصمود والبقاء هنا، متسائلة "سورية أمنا ربينا وعشنا فيها، ولما صارت بحاجتنا منتركها؟؟؟".

سعاد التي تخرجت  من "معهد دار المعلمين" وتابعت دراستها في كلية التربية - معلم صف، لتتخرج عام 2006، كانت من أوائل المتظاهرات ضد وارثي الاستبداد في مدينتها الرقة، أي "دولة النظام الداعشية" كما تسميها، حيث رفعت اللافتات وشاركت في كل التظاهرات التي شهدتها المدينة ضدهم، بعد رحيل قوات النظام عن المدينة نهائيا.

وحين قرر أغلب الناشطين عدم التظاهر المباشر أمام مقر "داعش" تخوفا من النتائج السلبية، اختارت أن تغرّد خارج السرب، ورفضت أن توّقع على بيان الناشطين بهذا الشأن، وبدأت تتظاهر منفردة، حيث باتت تختار كل يوم عبارة تخطها على لافتتها الوحيدة، وتحملها في السوق إلى أن تصل مقر داعش وتعتصم أمام وجوههم المستنكرة والرافضة، وسط تهديدات يومية لم تتوقف ضدها، إلى أن أصبحت لافتاتها هي "ثروتها الوحيدة"، إذ كتبت سعاد" الثورة فجرها الشرفاء، يسرقها اللصوص"، وأين أنتم عن مجزرة الغوطة. ناموا في القصور. احرسوا المخطوفين والمعتقلين و الغنائم".

أهم ما في لافتات سعاد المرفوعة بوجه "دولة النظام الداعشية" أنها تخلخل الأساس الديني الذي تستند عليه "داعش" لتثبيت مشروعيتها، عبر عبارات منتقاة بدقة، تبيّن مدى كذبهم، مثل  " يا أمة لا إله إلا الله. دم المسلم على المسلم حرام. عدونا هو النظام القاتل وليس الشعب"، و "لا تحدثني كثيرا عن الدين، ولكن دعني أرى الدين في سلوكك وأخلاقك وتعاملاتك".

وهكذا باتت سعاد تحمل كل يوم لافتتها وتعتصم أمام مقر "داعش"، ليكون كل يوم لها معهم مشادة وتهديد، إلى أن وصل حد هدر دمها، إذ تقول: "بدأ بالشتم وبصق في وجهي وتناوب التوانسة على شتمي، وآخر جاء من الباب الخلفي وسحب الكرتونة ومزقها. أشار آخر إلى رقبته بأنهم هدروا دمي".

سعاد نوفل وهي ترفع لافتة برفقة أحد الأطفال. المصدر: الصفحة الرسمية لسعاد نوفل على الفيسبوك
سعاد نوفل وهي ترفع لافتة برفقة أحد الأطفال. المصدر: الصفحة الرسمية لسعاد نوفل على الفيسبوك

في حوارها مع "سيريا أنتولد Syria untold" تقول سعاد أن " داعش هم النظام"، معتقدة أن النظام أخلى المدينة لهم بشكل متعمد، دون أن يكون لديها أي دليل مباشر على كلامها سوى تشابه تصرفاتهم مع تصرفات النظام، لأن "لو ما هيك ما كانوا قاموا بحرق الكنائس و إطلاق النار عالناس متل ما بيعمل النظام"، وهو ما دفعها لأن تسميها "دولة النظام الداعشية"، وأن تكتب على إحدى لافتاتها " قبل التحرير.. بشبوش ( سخرية من اسم بشار) والأربعين حرامي. بعد التحرير الكاذب. البشابيش وكم ألف حرامي".

وكانت تصرفات "داعش" بدأت تلقى استنكارا ورفضا من قبل المجتمع المدني والناشطين الذين بدؤوا ينظمون حملات مقاومة مدينة ضدهم في الرقة وريف حلب، بعد أن أصبحت تصرفاتهم تلقي الشكوك حولهم، بدءا من اعتقال النشطاء، إلى محاولة فرض أجندة إسلامية إلى إطلاق النار على المتظاهرين ضدهم، وكنا في "سيريا أنتولد Syria untold" قد سلطنا الضوء على  القضية في حكاية خاصة.

بعد قيام "داعش" بإنزال الصليب عن كنيسة البشارة في الرقة، قررت سعاد أن تصعّد في وجههم، لأن الأمر لم يعد يحتمل إذ بات الأمر يتعدى خدمة النظام إلى تهديد النسيج المجتمعي نفسه، فكتبت رسالة من جملة وحيدة لأهلها "سامحوني"، وخرجت من المنزل وهي تحمل اللافتة التي ستهز عرش "داعش"، وستكون مسار تحوّل في حياتها وعلاقتها مع أهلها والمدينة التي شهدت تظاهرات واعتصامات ضد "داعش" بعد حادثة الصليب.

حملت سعاد لافتتها المكتوب عليها  "دولة الشر. الكنائس لعبادة الله جل و تعالى"،  و توجهت نحو مقر "داعش"، ولم ترفع لافتتها سوى دقائق حتى خرج الرجال من المقر وقاموا بتمزيق لافتتها وتهديدها وإطلاق النار عليها، إذ تصف أختها رمال تلك اللحظات بالقول: "نزلت من السيارة لقيت لمّة من المجاهدين بأحزمتهن وأسلحتهن متجمعين حولها ممزقيلها لافتة اعتصامها، وفي منهن بدهن يقتصّو منها بالقتل، لإنو وقفتها اليوم كانت تضامنا مع المسيحيين. مسكتها وصرت جرها من إيدها وهيّه مصرّة تواجههن. صرت ادفشها لإنو الشياطين كانت مبينة بوجوههن. أخدتها وصرنا نركد بالشارع الخلفي. وإذا 3 مجاهدين توانسة بيلحقونا وبيلقمو الأسلحة وبيندهولنا. التفتنا وصار واحد يطلب مني أبعد حتى يضرب النار عليها. وقفت بوجهو وصرت اترجاه ما يطلق وهوه مصر. صديقو أطلق النار من وراه بس الحمدلله ما صابتنا أنا صرت اصرخ".

اللافتة التي مزقها عناصر داعش، وهي لافتة كتبتها سعاد تضامنا مع المسيحيين بعد إنزال داعش للصليب عن الكنيسة. المصدر: الصفحة الرسمية لسعاد على الفيسبوك
اللافتة التي مزقها عناصر داعش، وهي لافتة كتبتها سعاد تضامنا مع المسيحيين بعد إنزال داعش للصليب عن الكنيسة. المصدر: الصفحة الرسمية لسعاد على الفيسبوك

سعاد التي تصف نفسها اليوم بأنها "مشوشة عالآخر" تبدو رغبتها بالبقاء في المدينة واضحة، فهي لا تريد الخروج من مدينتها، لأن  "العمل الحقيقي بالداخل، بس أنا هون حجتي بإيدي، و عم شوف بعيني و معلوماتي مو من رسائل عالنت .. أنا رايدة ابقى جوا"، إلا أن القلق والخوف مقيمان في عينيها، ليس عليها بل على أهلها، خاصة  و"قسم منهن قا لولي ما منسامحك. إذا صرلنا شي بسبب مواقفك .. نحنا بدنا نعيش".

سعاد اليوم أصبحت رمز قوة ونضال للمرأة السورية التي تقاوم على عدة جبهات: النظام، داعش، السلطات الأبوية الاجتماعية. وهذا ما عبرت عنه العديد من الناشطات والنساء السوريات اللواتي تضامن مع سعاد، إذ كتبت "ميان أتاسي" أنا اليوم بحاجة تلك القوة والشجاعة الأنثوية.. فهناك داعش بصور مختلفة ...سعاد نوفل كوني بخير !" وكتبت لها مها شكري "شرف لي أن أكون بين أصدقائك لعلك تمدينا بشيء من القوة والشجاعة".

تلملم اليوم سعاد خيبتها وأحلامها ولافتاتها التي تعتبرها " ثروتي ال جمعتها من الثورة لَمْلَمتْها اليوم وشمّعتها بدموعي، وهي مجموعة اللوحات الكرتونية ال رفعتها بوجه دولة النظام الداعشية، رح احتفظ فيهن لأنهن ناضلوا معي وكانوا حِراب بصدر الظلم"، دون أن تفقد الأمل أو تتوقف عن الاهتمام بالمعتقلين لدى "داعش" الذين قالت لهم:  "صرلي 3 أيام ما جيت وطالبت دولة الفيول والظلم فيكن. بس بظن صوتي وصلهن وعرفوا أنّو نحن غير لله ما رح نركع"، داعية الوطن للصبر "اصبر يا وطن صبر الأشجار، كلهم يفنون وإحنا أهل الدار".

بهذا الأمل والتحدي والإشراق ما زالت سعاد تخوض معركتها، وهي تيمم وجهها شطر المستقبل حيث الفرات والحلم والحرية.

سعاد

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد