حلب بين صورتين: بعض وجوه التراجيديا السورية


27 أيلول 2013

بين كم الصور الكثيرة التي تتراشقها وسائل الإعلام حول الانتفاضة السورية ثمة الكثير من الدموع والأحزان والمصاعب، ثمة حيوات وتفاصيل كثيرة لا تتوقف عندها وسائل الإعلام بدءا من المصوّر الذي يعرّض نفسه للخطر لالتقاط صورة تحاول أن تقول حقيقة ما ضد من يحاول إخفائها، وليس انتهاءا بما يحصل خلف الصورة ومعاناة أصحابها وطبيعة الواقع الذي تتحدث عنه الصورة، إذ غالبا ما تكتفي الصورة ووسائل الإعلام باللقطة الوحيدة التي تلتقطها تلك الصورة، تاركة الكثير من الأسئلة معلّقة حول مصير من في الصورة، و عن واقع المكان الذي التقطت فيه الصورة، وعما إذا كان الوضع تحوّل نحو الأسوأ أم الأفضل بعد التقاطها.

أسئلة كثيرة تطلقها الصور دون أن تعطينا إجابة شافية عما يحصل، الأمر الذي دفعنا في "سيريا أنتولد Syria untold" إلى محاولة التوقف عند بعض الصور التي تلقى نسبة مشاهدة كبيرة وتفتح سجالا حادا بين السوريين، عاكسة وقائع معينة، محاولين الغوص أبعد مما تقوله الصورة، بحثا عن مصوّرها الذي قد يكون مشهورا أو مجرد هاو يحاول نقل الحقيقة من منظوره، علّنا نقف خلف مشهد الصورة لنصل مشهد الواقع الذي حاولت الصورة عرض بعض جوانبه، محاولين رصد جانب صغير من عذابات السوريين ونضالهم لقول الحقيقة ضد أي مستبد، سواء عبر الصورة أو الكلام.

بتاريخ 19 سبتمبر 2013 وضعت صفحة "أحرار بستان القصر والكلاسة" صورة لطفل يملأ الخوف البكاء وجهه وهو يواجه مسلحا على أحد المعابر في حلب، مرفقة بنص معنون بـ "الوجه القبيح" يحكي عن تحوّل المظلوم إلى ظالم كما تعكس هذه الصورة، مما دفعنا في "سيريا أنتولد Syria untold" إلى البحث حول  الصورة للوقوف على حقيقتها وتفاصيلها عبر التواصل مع الصفحة للوصول إلى المصوّر الذي شرح لنا أنّ هذه الصورة التقطت عند معبر كراج الحجز في حلب الذي أصبح صلة الوصل الوحيدة بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة في حلب بعد سيطرة الأخيرة على ثلثي المدينة، والذي أصبح يشهد انتهاكات كثيرة كنّا قد تعرضنا لها في قصة سابقة.

الطفل الخائف الذي في الصورة هو مهرّب صغير يعمل بتهريب الدخان والبنزين سعيا لتأمين لقمة العيش، و الذي يمسكه بيده هو عنصر مسلح يهدده في حين يقول له الطفل: "آخر مرة بعيدا التوبة"، كما يقول لنا أحد أعضاء صفحة "أحرار بستان القصر والكلاسة".

خلفية الصورة تعكس الواقع الصعب الذي تعيشه المدينة إذ بعد "الأزمة الغذائية" التي أصابت مناطق سيطرة النظام، أُجبر سكان تلك المناطق على العبور إلى المناطق المحررة - المتصلة بالريف و بالحدود التركية - للحصول على المواد الغذائية التي قطعت الاشتباكات طريق وصولها إلى المدينة. ليتم استقبال هؤلاء الناس استقبالاً سيئاً من قبل "بعض" عناصر الجيش الحر الموجودين على المعبر، و بقرارات مجحفة تمنعهم من الحصول على لقمة العيش، ليصل البعض منهم إلى الحكم بأن هذا"الوجه القبيح" هو الوجه الحقيقي للثورة".

وأما عن كيفية قدرة الناشطين والمصورين على التقاط هكذا صور، يقول الناشط لموقعنا: " أن المعبر كان يوجد به عناصر مسلحة فاسدة، والهيئة قامت بمراقبة الأمر واستلمت المعبر عبر تكليف بعض الفصائل القريبة منها بإدارته. خلال هذه الفترة كان مسموح لأي إعلامي أن يصوّر، وتمكنا من تصوير بعض التجاوزات".

صورة لطفل خائف وباكي عند معبر حلب ينهره مسلح لأنه يقوم بتهريب الدخان والبنزين، بينما يقول له الطفل: التوبة ماعاد عيدا.المصدر: صفحة أحرار باب القصر والكلاسة على الفيسبوك.
صورة لطفل خائف وباكي عند معبر حلب ينهره مسلح لأنه يقوم بتهريب الدخان والبنزين، بينما يقول له الطفل: التوبة ماعاد عيدا.المصدر: صفحة أحرار باب القصر والكلاسة على الفيسبوك.

وعما إذا كان الوضع الآن على المعبر أفضل مما قبل، بحيث توقف حصول مثل هذه الانتهاكات، يقول لنا الناشط: " التجاوزات الآن أكبر من قبل استلام الهيئة الشرعية التي منعت التصوير إلا بوجود موافقة أمنية من كذا جهة، أولها الهيئة ليقدر الواحد يحمل كميرا ويصوّر عالمعبر"، مما يعني أن نسبة التجاوزات أصبحت أكبر في ظل عدم القدرة على كشفها لوسائل الإعلام.

قصة الطفل هنا تذكرنا بأطفال كثر سقطوا ضحايا لهذه الانتهاكات، كان آخرهم محمد قطاع الذي سبق وتحدثنا عنه، وإن كانت الكاميرا تمكنت هنا من التقاط هذا الانتهاك فكم من الانتهاكات الأخرى التي تحصل، وكم من الصور التي تبقى مجرد صورة تعكس واقع لقطتها بعيدا عن القدرة على معرفة ما يجري حولها، وعما إذا كان واقع الصورة قد ساء أم تحسن!

في صورة أخرى نشرتها وكالة "رويترز"  بتاريخ 17 سبتمبر 2013 للمصوّر "مظفر سلمان" تبيّن سكان محاصرين في حي الأشرفية في مدينة حلب، يقومون بسحب سلّة مليئة بالطعام قدمها لهم النشطاء، لأنهم لا يستطيعون الخروج من منازلهم خوفاً من القناص.

صورة لعائلة تسحب الطعام الذي يقدمه لها ناشطون في حي الأشرفية في حلب، خوفا من القناص. المصدر: الصورة للمصور مظفر سلميان نقلا عن رويترز
صورة لعائلة تسحب الطعام الذي يقدمه لها ناشطون في حي الأشرفية في حلب، خوفا من القناص. المصدر: الصورة للمصور مظفر سلميان نقلا عن رويترز

في متابعة هذه الصورة وتفاصيلها من قبل فريقنا في "سيريا أنتولد Syria untold " تمكنا من الحصول على تفاصيل كثيرة حول واقع هذه العائلات، إلا أننا نتحفظ عن ذكر الكثير من الأمور خوفا على هذه العائلات وعلى النشطاء الذين طلبوا ذلك، إلا أن الأمر يعكس مدى الواقع الإنساني الصعب الذي تعيشه هذه العائلات في ظل عدم أخذ طرفي الصراع واقع المدنيين وحياتهم بعين الاعتبار، الأمر الذي يضع الجميع: المصوّر والناشط والمواطن والصحفي في دائرة الخطر.

هنا: مجرد صورتان تعكسان بعض ملامح التراجيديا السورية في مدينة حلب، ملامح تمكنت هاتان الصورتان من الإشارة إليها وتمزيق بعض الحجب التي يحاول البعض إخفائها، مما يطرح أسئلة كثيرة عما لا تتمكن الصور أو وسائل الإعلام من الوصول إليه، خاصة في ظل اشتداد الصراع اليوم بين فصائل المعارضة المسلحة والنظام من جهة، و الفصائل المتحاربة فيما بينها من جهة أخرى.

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد