مالك جندلي: الطغاة يخافون الفن والموسيقى


07 آب 2013

في آذار 2011، لم ينتفض السوريون ضد حكم نظام الأسد فحسب، بل على الظلامية والتعتيم المفروض عليهم منذ عقود. السوريون الذين سُرقت أصواتهم لسنوات طويلة, يعيدون استرجاعها اليوم من خلال الفن ككل، والموسيقى التي لعبت دورا حاسما في النقلة النوعية التي صاحبت الثورة على وجه الخصوص.

المؤلف وعازف البيانو الشهير "مالك جندلي"، الذي لحن أغنية "وطني أنا" في بداية الثورة، تحدث مع سيريا أنتولدsyriauntold عن ظهور أشكال جديدة من الفن والموسيقى في سوريا. معتبراً أن ما يقدمه لبلاده هو موسيقى من أجل الحرية والعدالة، وموسيقى لسوريا جديدة.

سوريا نشيد الأحرار:

 آخر أعمال الموسيقي مالك جندلي، أغنية تحمل عنوان "سوريا نشيد الأحرار"، وهي ما وصفها بـ "نشيد من الشعب إلى الشعب". و لإنتاج هذه الأغنية تعاون جندلي مع دار الأوركسترا الروسية، وجوفة دار أوبرا القاهرة، لأنه يؤمن بأن السوريين يستحقون نشيداً يعبّر عنهم.

النشيد يروي قصة ملايين السوريين المتأثرين بالانتفاضة، من شهداء ونساء وأطفال ولاجئين "هناك الكثير من القصص، ونحن الفنانون، ولا سيما الموسيقيين، محظوظون جدا لأننا  نستطيع تجاوز القيود السياسية والاجتماعية، والحدود الجغرافية، ونصل مباشرة إلى الإنسانية، إلى قلوب هؤلاء الأطفال"، كما قال جندلي: "يمكننا أن نكون صوت، بدلا من صدى هؤلاء الأطفال. الموسيقى لغة عالمية، يمكن أن تروي الحكاية كاملة وتضفي طابع إنساني على التضحيات التي قدمها هؤلاء الأطفال الشجعان، بدلاً من أن تحيلهم هذه الحرب إلى أرقام فحسب".

النشيد الوطني السوري الحالي (حماة الديار)، اعتمد للمرة الأولى في سنة 1938، وقد تم استبداله لفترة وجيزة، إبان الوحدة بين سوريا ومصر تحت مسمى الجمهورية العربية المتحدة عام 1958، إلا أنه عاد سنة 1961 ليبقى رمزاً للبلد حتى يومنا هذا.

أوضح الموسيقار الشاب بأنه لم يؤلف أغنية "سوريا نشيد الأحرار"، ناوياً أن تكون النشيد الوطني الجديد، ولكن سيشرفه إذا كان اختيار الشعب ذلك.

يبدأ النشيد بمفردتي "الحرية" و "سوريا"، كلمتين مفقودتين من النشيد الحالي:

ســــــــــوريـا ســــــــوريــا وطنُ الأحرارِ والحُريـــة

ســــــــــوريـا ســـــــــوريــا أرضُ السّنابل الذهبيــة

 ولد مالك جندلي في ألمانيا، إلا أنه بدأ تعليمه الدراسي في مدينته حمص. "كل صباح, كنا مجبرين على الغناء وحفظ شعارات النظام"، ثم أضاف بأن النظام ربط العلم والنشيد الوطني وحتى البلد بكاملها بعائلة الأسد، وأن سوريا كانت "سوريا الأسد".

ترعرع مالك جندي وهو يشعر بأنه منافق، يشيد بدكتاتورية النظام في المدرسة، ثم يعود إلى عائلته التي كانت تعارض النظام و وحشيته.

سوريا نشيد الأحرار لمالك جندلي:

قمع الفن والثقافة:

"الطغاة بشكل عام، يخافون الفن والموسيقى، لأن الفن في جوهره هو بحث عن الحقيقة والجمال، لو تكلمت الحقيقة وقتها، لكنت تعرضت للقتل أو التعذيب أو الترحيل من وطني" قال جندلي، ثم أضاف بأن صور الديكتاتور الأسد موجودة على الطوابع والجدران والكتب، بطريقة تستبيح الثقافة السورية والتاريخ السوري الغني والعريق.

"كما أن معظم الإشارات في النشيد هي للجيش .. لماذا لا نتحدث عن الاختراعات السورية مثل الحروف الأبجدية والموسيقى، بدلا من القوات العسكرية والحرب؟" يتساءل جندلي.

 ساحل سوريا هو موطن لأقدم تدوين موسيقي في العالم، كما أنه موطن الأبجدية الأوغاريتية التي يعتقد بأنها الأبجدية الأولى للحضارة! ولكن بدلا من تكريم التاريخ الغني للبلاد، يبدأ النشيد الوطني مع إشارة إلى الجيش، إلى "حراس الوطن".

ومن المفارقات، أن الجيش العربي السوري في الواقع هم "شبيحة" الأسد، وهم سبب دمار وطني سوريا وهم مسؤولون عن ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية وقتل أكثر من 185 ألف مدني، وتشريد أكثر من 7 مليون سوري، بينهم 6 ملايين داخل سوريا ومليون خارجها، والعالم كله يشاهد بصمت"!

قبل عامين، أنتج جندلي ألبوما بعنوان "أصداء من أوغاريت"، في محاولة لإعادة إحياء الموسيقى السورية المنسية. عاد إلى وطنه بعد غياب عشر سنوات، وقدم المشروع إلى وزارة الثقافة والأوركسترا السيمفونية السورية، ولكنه قوبل بالرفض. لذلك اضطر جندلي في نهاية المطاف الى الذهاب الى القصر الرئاسي للحصول على إذن.

 "استغرق الأمر حوالي ثمانية أشهر، للحصول على التصاريح الأمنية وجميع الموافقات لأداء الموسيقى السورية في سوريا! وهذا يدل على مدى فساد هذا النظام، وكيف أنّه يشوّه صورة المغتربين مثلي ومثلك، ويعاملهم بعدم احترام".

اتهمت السلطات السورية مالك جندلي بأنه جاسوس، لأن أداءه كان غير مرض بالنسبة لهم، "أرادوا منعي من الانخراط بمشاريع فنية كهذه في المستقبل، كانوا خائفين من أن يفضح الفن حقيقتهم".

 يشعر مالك جندلي بأن العالم العربي بأسره قام بقمع الفن، وليس سوريا فحسب. وضرب قناة السويس في مصر كمثال، حين تم تكليف الملحن الايطالي "فيردي" بتأليف أوبرا لعزفها أثناء افتتاح قناة السويس، والتي كانت أوبرا "عايدة"، ولكن لماذا لم يكن لدينا أوبرا عربية بألحان موسيقار عربي للاحتفال بافتتاح قناة السويس؟ ألم يقم أجدادنا نحن باختراع الموسيقى؟ هذه إهانة بالنسبة لي كموسيقي عربي! أين السيمفونيات والأوبرا العربية؟ نحن مخترعو الموسيقى ومع ذلك لا نملك صوتاً!"

سمفونية أصداء من أوغاريت لمالك جندلي:

جيل جديد من الفنانين السوريين:

قال جندلي أن الحكام المستبدين يخشون القوى الناعمة التي يمكن أن تحوّل عقول الناس، مما يدفعهم إلى استهداف الفنانين، وقد عانى مالك شخصيا هذا الاضطهاد. على الرغم من أنه غادر البلاد منذ سنوات، إلا أن قوات النظام قامت بتفتيش منزله السوري مراراً واعتدت بالضرب المبرح على والديه انتقاما لنشاطاته المناهضة للنظام. ولكن الانتفاضة قد سمحت لولادة جيل من الفنانين، حر من كل القيود التي تكبل بها السلطة الإنتاج الفني.

"الفن في عهد النظام لم يكن فناً حقيقياً، الإنسان بحاجة إلى حرية ليبدع، بحاجة إلى حرية لينتج فناً حقيقياً، للمعرفة والثقافة والابتكار والتقدم. بدون الحرية، لا يوجد شيء".

كل أعمال الفنان مالك جندلي، منذ بداية الثورة حتى الآن ممولة ذاتياً، ومنها عمله الأخير سوريا نشيد الأحرار، وكلماتها:

ســــــــــوريـا ســــــــــوريــا وطنُ الأحرارِ والحُريـــة

ســــــــــوريـا ســـــــــوريــا أرضُ السَّنابِلِ الذهبيــة

يا بلادي يا مهد الأمم             نورُ تراثها ألهم القلم

موطن الشـرفاء مرقد الشـهداء   شـمسـنا في السـماء نسـرنا في العلاء

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد