إذا ما فيهم يوصلو صوتهم، خلينا نحنا نكون صوتهم


13 تموز 2013

لأنَّ الحريَّة لا تُسجَن، والأنوثة لا تقيَّد، فقد قامت مجموعةٌ من معتقلات الرأي السياسي في سجن عدرا المركزي بدمشق، بإضرابٍ مفتوح عن الطعام، بسبب الأحكام العرفيَّة الجائرة الموجّهة لهم في الفروع الأمنيَّة، وبقاء وضعهم في السجن غامضاً مُعلّقاً، وقد خرجَ خبرُ الإضراب من نطاق السجن الضيّق إلى الشأن العام، بسبب رسالة سريَّة تمكن النشطاء من تهريبها من داخل السجن إلى خارجه.

ولكي لا تبقَ الحملةُ مقتصرةً على التواتر الشفوي فقط، فقد قام مجموعةٌ من الناشطين بإنشاء حملة باسم "دعم إضراب المعتقلات في سجن عدرا"، وذلك لتأطير هذا الاحتجاج المدني السلمي داخل السجن، في رؤيةٍ مدنيَّة إنسانيَّة، وعرضها أمام كافة منظمات حقوق الإنسان، وجمعيات الاهتمام بالمرأة، بغيةً لتحويلها إلى طاقة ضغط سياسية.

استطاع موقعنا سيرياأنتولد syriauntold أن يصل إلى أحد الناشطات المشاركات في تأسيس الحملة، حيثُ أكّدت أن فكرة الحملة نشأت كرغبة ملحَّة لإيصال صوت السجينات المضربات إلى المؤسسات الإعلامية، ومن أجل وضع السلطات السورية أمام مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية، وذلك تحت الشعار المبدئي "إذا ما فيهم يوصلو صوتهم، خلينا نحنا نكون صوتهم". وتكمل الناشطة بأنَّ الشباب المشاركين في الحملة قد قاموا بترجمة الرسالة المسرَّبة إلى اللغات الفرنسية والإنكليزية.

وتؤكّد الناشطة رنا الجندي بأنَّ القصة تطوَّرت عندما تمَّ الاتّصال مع تنسيقيَّات، وبعض الناشطين الموجودين في دولٍ مُختلفة، وذلك للقيام بحملة إضراب عن الطعام، تكونُ تضامنيَّة مع إضراب المعتقلات في سجن عدرا، وقد لاقى النداءُ على حدّ تعبيرها تجاوباً ملحوظَاً في دولٍ مثل الأردن وتركيّا واسبانيا، وبدرجةٍ أقلّ في لبنان والقاهرة بسبب الظروف السياسيَّة لهاتين الدولتين، كما تمَّ نشرُ العديد من التقارير الصحفيَّة والمقاطع التلفزيونيَّة التي تدعمُ الحملة.

وبعدها قام منظّمو الحملة بالاتصال أيضاً مع منظّمات حقوقيَّة وإنسانيَّة عالميَّة، مثل "آفاز" و"الأمم المتحدة" و"أمنيستي" وبعض الجمعيات العالميَّة الأخرى، و تقول الناشطة "بأنَّ منظمتي آفاز والأمم المتحدة قد تجاوبوا مع الحملة فوراً، وقاموا بإنشاء حملة جمع تواقيع تضامنيَّة مع السجينات المضربات".

وتكمل الناشطة في الحملة قائلةً :"الإبداعات التفاعليَّة من الناس كانت مفاجئة لنا، إذ أنَّه بعد ساعات قليلة من إطلاق الحملة، بدأ نشطاء الفيسبوك برسم لوحات فنيَّة معبِّرة، وتشكيلِ عددٍ من الملصقات الالكترونيَّة المذهلة، التي نُشرِت على صفحات التواصل الاجتماعية، وكذلك تم تصميم عديد من مقاطع الفيديو، ونظم بعض القصائد الأدبيَّة التي تلامس معاناة المضربات، كالقصيدة التالية التي نشرت على صفحة الفيسبوك الخاصّة بالحملة "من أنا؟ سألتُ القابع في أعماقي، وهتفتُ: أنا معتقل سياسي، في قسم المخابرات، في زنزانة انفرادية، في منتصف الليل، على رقعة من وطني الحبيب، لم يعجبني هذا التعريف، فأعدته على النحو التالي: أنا ثائر يحب وطنه، وهذا الحب أوصله إلى هنا". المذهل في كلّ هذا الأمر، أنَّه لم يكن متفقاً عليه بين الناشطين، بل كان إبداعاً رديفاً عفوياً ومفاجئاً لنا حتّى".

وتقولُ رنا بأنَّ أجملَ شيء في هذه الحملة، هو روح الفريق الواحد، والإصرارُ على المطالبة بحق المعتقلات، حيثُ أكّدت الحملة بأنَّ العمل الجماعي المشترك هو نواة بناء مجتمع مدني، ثم تتابع قائلة "لم يكن هنالك أقسى علينا من خبر اقتحام الأمن السياسي للمعتقلات في السجن".

ملصق يظهر رسم لمعدة تحيط بها أسلاك شائكة تدل على معاناة المعتقلات في سجن عدرا. المصدر: الصفحة الرسمية للحملة
ملصق يظهر رسم لمعدة تحيط بها أسلاك شائكة تدل على معاناة المعتقلات في سجن عدرا. المصدر: الصفحة الرسمية للحملة","title":"..... EN

عقبتان أساسيّتَان وقفتا بوجه الحملة: الأولى فنيَّة اجتماعيَّة قائمة على التشكيك بمصداقية الحملة، والتعرض والهجوم لها من قبل ناشطين آخرين، ولكن تم تجاوز هذه التجريحات بالجد والمثابرة وروح العمل المشترك على حد تعبيرها.

الثانية: ميدانية لوجستية تتعلَّقُ بصعوبة تحصيل أخبار المعتقلات المضربات، بسبب الحصار الأمني الخانق عليهم.

وترى رنا بأنَّ هدف الحملة بالدرجة الأولى هو إنساني مدني، وهو محاكاة لعمليات إضراب الطعام التي كان يقوم بها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الاسرائيلي، وبأنَّهم مستمرون في هذا الحملة رغم كل الصعوبات، حتّى لو كانت نسبة فائدتها الواقعيّة واحد في المئة، فهي برأيهم أفضل من الجلوس والتفرج.

أجمل اللحظات في الحملة هي لحظاتُ العمل الجماعي العفوي، والتعامل الإنساني الحساس وجو المحبة الذي وحد الجميع، أما أصعبُ اللحظات فهي مهاجمة البعض وضغطهم من أجل تخريب وإيقاف الحملة"، كما تقول رنا.

حملة "دعم إضراب المعتقلات" هي بداية لتكثيف النشاطات المدنية والإنسانية لدى المغتربين السوريين، لأن النشاطات من هذا النوع هي وحدها كفيلةٌ بتفعيل الشعور الوطني والإنساني. بالإضافة إلى تحريك الرأي العام وحشده من أجل معاناة الشعب الموجود في الداخل.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد