الفيلم الشهيد (سوريا بالداخل) يتابع رحلته بغياب مخرجه


26 حزيران 2013

كيف يمكن لفيلم أن يتابع رحلته بغياب مخرجه؟ كيف يمكن لمن رؤوا بأمّ أعينهم تحوّل المخرج إلى ذرّات أمل وحرية في سبيل فيلمه وبلده أن يتابعوا الطريق؟ وكيف يمكن لمخرج آخر أن يتابع فيلما أنجز منه مخرجه الراحل خمسين بالمئة؟

أسئلة كثيرة تدور ببال المرء وهو يطّلع على حكاية فيلم "سوريا بالداخل الذي قتل مخرجه الناشط السوري "تامر العوام" وهو يصوّر مشاهده في حلب، إذ قرر أصدقاؤه وشركاؤه في الفيلم العمل عليه بعد رحيله من جديد، ساعين لأن يشارك في مهرجان مونتريال في الخامس من تموز في كندا، الأمر الذي دفعنا في "سيريا أنتولد" للبحث عن الحكاية، عن فيلم أراد أن يعكس معاناة السوريين، فأصبح بحد ذاته حكاية تروى، وكأنّنا أمام "ألف ليلة وليلة" إذ تولد الحكاية من الحكاية، لتسجل تاريخ السوريين وألمهم:

"لم أكن أريد لنظام دكتاتوري أن ينتصر لمجرد أنّه يقتل الناس. أنت تستطيع أن تقتل البشر لا الأفكار. الفيلم هو فكرة، وجعلته تحدي خاص لإثبات ذلك"، بهذه الروح النضالية المليئة بالعنفوان والتحدي قرر المخرج الألماني" Jan Heilig يان هيلنغ" متابعة رحلة صديقه وشريكه "تامر العوّام" الذي سقط أثناء "نضاله" لإخراج فيلم بعنوان " سوريا  بالداخل" أراد له أن يكون عن السوريين "بصوتهم الخاص إلى العالم، بعيدا عن تقارير وسائل الإعلام"، إلا أنّ القدر شاء له أن يتوّحد مع فيلمه في رحلة أبدية فيها من التراجيديا والحزن والأسطورة الكثير، كأنّ "تامر" الذي سقط في مدينة حلب بعد أن صوّر حوالي خمسين بالمئة من الفيلم، أغراه فيلمه فارتأى التحوّل إلى مشهد فيه، لتكون حياته وضحكته وقصته شاهدا على ما أراد قوله للعالم عن السوريين وانتصاراتهم وهزائمهم وحكاياتهم وفرحهم وحزنهم، بعيدا عما تنقله وسائل الإعلام عن سوريا ككل.

بدأت فكرة الفيلم "حين جاء تامر العوّام إليّ، ليصنع هذا الفيلم بالمشاركة أو بالتعاون. كلانا أردنا أن نصنع فيلما عن الثورة السورية للإعلام الغربي، ليس فقط للعالم العربي. لكن هو وأنا كان لدينا مشكلة واحدة كبيرة. لم يكن لديه خبرة في صناعة الأفلام السينمائية في العالم الغربي وكان كعربي غير قادر على نقل رسالته بطريقة غربية. و أنا لم أكن سوري، ولا أتكلّم العربية وليس لديّ تواصل جيّد مع المجتمع السوري. هكذا جمعنا جوانب القوة عندنا، وفكرة "سوريا بالداخل" هكذا ولدت.

مصدر الصورة صفحة سوريا بالداخل على الفيس بوك
مصدر الصورة صفحة سوريا بالداخل على الفيس بوك","title":"..... EN

وعن آلية العمل وتقسيمه، يقول "يان" أن تامر " كان مسؤول عن الداخل، و أنا كنت مسؤول عن الخارج. هو كان يصوّر وأنا كنت أحرّر. هو كان يصنع القصص الصغيرة، وأنا كنت ألصق أو أجمع هذه القصص مع بعضها لأجعل منها قصة متكاملة".

رحيل تامر لم يقف حجر عثرة أمام متابعة تصوير وإنتاج الفيلم، إذ صمّم المخرج على الاستمرار والمتابعة، وفاءاً لرفيق دربه من جهة، ووفاءا لقيمة إنسانية عليا تتمثل بأنه لا يجوز لنظام دكتاتوري أن ينتصر لمجرد أنّه يقتل الناس، فالفيلم أداة إدانة لنظام مستبد، و دلالة انتصار وتشهير بظلمه واستبداده، ولذا يسعى القائمون على متابعة سير الفيلم الآن لمسابقة الزمن لأجل المشاركة في مهرجان مونتريال السينمائي في كندا، إذ يقول المخرج والمنتج لسيريا أنتولد "سوف نقدّم تماما مثل أي شخص آخر، وكون شركتي هي شركة إنتاج محترفة أستطيع أن أفعل ذلك دون أيّة مشكلة. لكن كما تعلم فموضوع الفيلم  ساخن جداً، و الآن لا يوجد إطلاقا أي فيلم طويل عن سوريا في المهرجان، لذلك لا أتوقع أنّهم سيرفضون. لكن  لا فكرة عندي إن كنا سنربح الجائزة، و هذا ليس هدفي. أريد فقط أن يتم الاطلاع عليه في أمريكا وكندا وإرساله إلى صالات العرض. حتى يصل الفيلم إلى الناس".

وعن كيفية التغلب على عوائق غياب المخرج الأساسي في الفيلم، وكيفية إنتاج فيلم بغياب صاحب فكرته ومخرجه يقول: "  أردنا تامر وأنا أن نكون متشاركين في هذا الفيلم. أنا أخذت على عاتقي إخراج المشاهد الناقصة التي احتاجت إلى إكمال أو انجاز، كان من المفترض أن يكون تامر الممثل أو الفاعل الرئيسي. لكن الآن أخذ الأخوين ملص هذا الجزء. وتامر يظهر فقط في 30 بالمئة من المواد".

ويعمل الآن على إنجاز الفيلم ورشة من السينمائيين من داخل وخارج سوريا، إضافة إلى بعض المنتجين المنفذين  متل  تامر باشا و فراس الشاطر من حمص ( هو الآن في برلين) و مجد عيد من باريس و الأخوين ملص، حيث يسعى الفريق متكاملا لإنجاز حلم تامر بغيابه، متخطين العوائق التي تقف في سبيل إنجاز الفيلم مثل قلة الأموال وضيق الوقت، إذ يجب أن يكون الفيلم منجزا في الخامس من تموز لكي يشارك في مونتريال.

مصدر الصورة صفحة سوريا بالداخل على الفيس بوك
مصدر الصورة صفحة سوريا بالداخل على الفيس بوك","title":"..... EN

"سوريا من الداخل" حكاية تكاد تخترق الخيال لتكون خيّر معبّر عن تحدي السوريين وإصرارهم على إبداع ما يحطم الدكتاتورية بالعمل والإبداع والصور والألوان.

 حكاية تمثّل شاهدا بلغة الفن والإبداع على همجية النظام من جهة، وعلى قوة السوريين الذين صمموا على مواجهة المستحيل ثانيا، وعلى الخيط الإنساني الرفيع الذي يجمع البشر كلهم، وهو ما تجلى بتصميم المخرج/ المنتج على متابعة درب "تامر" وقول ما أراد قوله حين تحوّلت روحه إلى فكرة/ صورة/ مشهد سنراها بألم وغصّة حين يتاح لنا مشاهدة هذا الفيلم.

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد