الانتفاضة السورية تصنع صحافتها


30 أيار 2013

سعى النظام السوري طيلة عقود طويلة لخنق أي صوت حر فارضا رقابة قاتلة على الصحف و حرية التعبير، لإدراكه أن الكلمة تقتله، ولهذا كانت الانتفاضة السورية في أحد أبعادها احتجاجا على احتلال السلطة للفضاء العام، إذ لم يكتف كوادرها بالعمل على إسقاط السلطة القائمة فحسب، بل عملوا على إنتاج إعلامهم الذي يعبّر عنهم، سعياً منهم للتحرر من رواية السلطة في دحض رواية النظام عن انتفاضتهم التي يصفها تارة بالإرهاب وتارة بالأسلمة، ساعين بذلك لاستعادة المجال العام الذي سلبته السلطة منهم.

حكاية المتظاهرين والنشطاء السوريين مع الإعلام حكاية طويلة، ويصعب اختصارها في سطور، إذ لكل صحيفة حكاية، ولكل مقالة نكهة ممزوجة بعرق كابتها، ولكل وسيلة إعلامية ولادة تختلف عن الأخرى رغم ولادتهم جميعا في ظل الانتفاضة السورية التي رسمت فوقهم مظلة آمان من بطش النظام، فما هي الحكاية؟

 حكاية شباب أرفقوا القول بالفعل حين بدؤوا العمل على صناعة حريتهم وتجسيدها عمليا في صحف باتت تصدر في الداخل السوري وراديوهات باتت تخاطب المواطن السوري، حيث تأسست راديوهات ناطقة باسم بالانتفاضة مثل "واحد زائد واحد" و " راديو صوت العقل"، وسوريالي وجرائد خاصة  فاقت العشرين جريدة، بهدف إيصال صوت الانتفاضة إلى الخارج من جهة، ولتكون أداة تواصل بين الجماهير المنتفضة على امتداد الوطن، والأهم لتكون بديلا عن الإعلام القائم، ولتشكل نواة إعلام حقيقي قادر على النهوض بمهامه حال سقط النظام.

ومن هذه الوسائل الإعلامية التي صدرت في ظل الانتفاضة السورية هناك " وطني الحر"  و"عنب بلدي" و"طلعنا على الحرية" الصادرة عن لجان التنسيق المحلية و " اليساري" الصادرة عن ائتلاف اليسار السوري و "البديل"  و" سوريتنا" و "باخرة الكرد" و "حريات" و"أخبار المندس" و"مجلة تمرد" و"مجلة أوكسجين" و"مجلة الغرافيتي" و"أحرار سورية" و"الحق" و"سوريا بدا حرية" و"جدل" و "ملفات بكرا" و"الدومري" و"الجمهورية" و" الكرامة " و "عهد الشام" و "سنديان" و "إميسا" و "زيتون" و "أحفاد خالد" و "الكتايب" و "طيارة ورق" و " العهد" و " زيتون وزيتونة " و "المسار الحر" وغيرها الكثير.

"سيريا أنتولد Syria untold" التقى بعض هؤلاء واستطلع آراءهم حول تجاربهم وأهدافهم و أهداف الجريدة وكيفية تأسيسها وصدورها وتوزيعها وتمويلها والعوائق التي تقف في طريقهم.

يقول الناشط محمد علوش الذي سجن مرتين خلال الانتفاضة أن تأسيس صحيفة " وطني الحر" جاء لأنه "ليس هناك حتى اللحظة جريدة مستقلة ناطقة باسم الشعب السوري، هدفها نصرة الثورة فقط دون جمع أي مكاسب مادية ومعنوية، وتهدف الجريدة إلى إيصال صوت الشعب السوري لكل أنحاء العالم، ويعود ريعها لإغاثة اللاجئين السوريين في الداخل والخارج عن طريق جمعيات خيرية تعنى بالشأن السوري وذات مصداقية وأمانة عالية".

أما صحيفة اليساري الصادرة عن ائتلاف اليسار السوري فيقول أحد المشرفين عليها إنها: "ولدت فكرة نشرة اليساري، بعد أشهر من تشكّل إئتلاف اليسار السوري، الذي هو ائتلاف منخرط بالثورة، حيث كانت كتله وأفراده منخرطين، قبل تشكيل الائتلاف، وبتشكله صار لا بد من نشرة تكون لسان حاله، وهو ما كان"، وجاء إصدار الصحيفة بهدف "المواكبة والانخراط في الثورة، وتقديم تصورات عنها، وإظهار دور اليسار الثوري، باعتباره جزء من هذه الثورة، ويريد لها الوصول إلى أهدافها، في اقتصاد صناعي وزراعي متقدم ونظام علماني ديمقراطي، واستعادة الأراضي المحتلة، ومحاولة تفادي انحرافات في الثورة باعتبارها ثورة شعبية، ونشر الرؤية اليسارية على أوسع نطاق وإنضاج الوعي اليساري".

صورة من مجلة طلعنا ع الحرية لطفل يكتب على الجدران ... المصدر صفحة المجلة على الفيس بوك
صورة من مجلة طلعنا ع الحرية لطفل يكتب على الجدران ... المصدر صفحة المجلة على الفيس بوك

ويقول أحد مؤسسي صحيفة البديل أنها "أول صحيفة سورية تصدر، وكان صدورها في الأسبوع الأول من شهر أيلول في العام الماضي، .. تشارك عدة منظمات سياسية في توزيع البديل مثل ائتلاف القوى العلمانية الديمقراطية  الذي يشغل الأستاذ حسام ميرو منصب المنسق العام فيه ، وقوى الحراك المدني وبعض التنسيقيات ولجان الريع الكردي".

و غالبا ما يكون كادر تحرير هذه الصحف من مؤسسيها أنفسهم بسبب ضعف التمويل، حيث يقول "علوش" أن "تحرير الجريدة ( وطني الحر) حاليا عن طريق الشباب العاملين فيها، ريثما تقف الجريدة على أقدامها ونصبح قادرين على استقدام كفاءات وخبرات تعمل في هذا المجال، و  التوزيع سيكون عن طريق الأصدقاء المتعاونين والمقيمين في البلدان العربية". ويقول أحد مؤسسي اليساري أن "الكادر متطوع بشكل كامل، وهذا عمل غير مأجور بالكامل".

و يبدو أن صحيفة البديل هي الأكثر حرفية بين هؤلاء حيث " يوجد لنا مراسلين في الميدان وجميع الأخبار خاصة بجريدة البديل، ولا نأخذ من مصدر آخر.. يشرف على الجريدة صحافيين متخصصين وبعضهم يعمل في كبريات الصحف العربية".

وأما التمويل فهو ذاتي و من جيب أصحاب المشروع أنفسهم، وهو أغلب الأحيان تمويل بدائي بالكاد يغطي نفقات الصحف التي أغلبها لا يزال عمله بدائيا، ولكنه واعداً جداً لجهة أخذ المبادرة، وطرح رؤية بعيدة عن رؤية السلطة، ونقص التمويل هذا يجعل المشاكل التي تعاني منها تلك الصحف كثيرة، فصحيفة البديل الأقدم في الصدور ( صدرت في شهر أيلول 2011) تعاني من " انقطاع الانترنيت في الداخل وتمويل الطباعة وأجور المراسلين، لأنهم متفرغين فقط للعمل في البديل"، وهذا الأمر يكاد ينطبق على كل الصحف الأخرى، عدا عن صعوبة التوزيع في الداخل، وكذلك النشر و نقلها عبر المحافظات.

وبتقييم موضوعي لهذه الصحف، سنجد أن أغلبها ابن الثورة، وبالتالي فهو مرهون بخطابها ورؤيتها، حيث يكاد يكون إعلاما ثوريا لا حياديا بما يفترض أن يكون عليه الإعلام عموما، إذ لازال يعاني حتى اللحظة من ثنائية ضدية تحكمه وهي "ضد السلطة مع الانتفاضة"، في حين أن وسائل الإعلام الرسمية محكومة بثنائية " مع السلطة ضد الشعب و الانتفاضة"، وهذا ما يجعل صحف الانتفاضة تغطي أحيانا على الأخطاء الحاصلة، وهذا أمر خاطئ، و إن كان موضوعيا يمكن تبريره بسبب الأوضاع السورية المعقدة، شرط أن يعمل على تجاوزها، وهو ما يبدو أن تباشيره بدأت، حيث تتميز صحيفة "طلعنا عالحرية" الصادرة عن لجان التنسيق المحلية بهذا النقد الذي يسلط الضوء على ظواهر خاطئة في الانتفاضة، خاصة ما تكتبه الحقوقية رزان زيتونة.

في الختام يمكن القول أن صدور هذه الصحف يندرج في الإطار النضالي بوجه الاستبداد كخطوة أولى، ويندرج في العمل على استعادة المجال العام من هيمنة السلطة في خطوة ثانية، ويندرج في إطار العمل على تحقيق صحافة حرة تنتمي للمواطن والحقيقة على حساب أي شيء آخر، و إذا كانت الخطوتين الأولى والثانية قد تحققتا، فإن الخطوة الثالثة لا تزال في إطار التبلور، أي خلق صحافة مستقلة عن الانتفاضة والنظام معا، لتقوم بمهامها كسلطة رابعة لا تحابي أحد إلا الحقيقة، وهي المهمة الأهم الملقاة على تلك الصحف.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد